بطلان منع المنطقيين الاحتجاج بالمتواترات والمجربات والحدسيات:
وقد ذكر من ذكر من هؤلاء المنطقيين أن القضايا المعلومة ب التواتر والتجربة والحدس يختص بها من علمها بهذه الطريق فلا تكون حجة على غيره بخلاف غيرها فإنها مشتركة يحتج بها على المنازع.
وقد بينا في غير هذا الموضع أن هذا تفريق فاسد.
فان الحسيات الظاهرة والباطنة تنقسم إلى خاصة وعامة وليس ما رآه زيد أو شمه أو ذاقة أو لمسة يجب اشتراك الناس فيه وكذلك ما وجده في نفسه من جوعه وعطشه وألمه ولذته ولكن بعض الحسيات قد تكون مشتركة بين الناس كاشتراكهم في رؤية الشمس والقمر والكواكب وأخص من ذلك اشتراك أهل البلد الواحد في رؤية ما عندهم من جبل وجامع ونهر وغير ذلك من الأمور المخلوقة والمصنوعة.
وكذلك الأمور المعلومة ب التواتر والتجارب قد يشترك فيها عامة الناس كاشتراك الناس في العلم بوجود مكة ونحوها من البلاد المشهورة واشتراكهم في وجود البحر وأكثرهم ما رآه واشتراكهم في العلم بوجود موسى وعيسى ومحمد وادعائهم النبوة ونحو ذلك فان هؤلاء قد تواتر خبرهم إلى عامة بني آدم وإن قدر من لم يبلغه أخبارهم فهم في أطراف المعمورة لا في الوسط.
المجربات تحصل بالحس والعقل:
وكذلك المجربات فعامة الناس قد جربوا أن شرب الماء يحصل معه الري وأن قطع العنق يحصل معه الموت وأن الضرب الشديد يوجب الألم.
والعلم بهذه القضية الكلية تجربي فان الحس إنما يدرك ريا معينا وموت شخص معين وألم شخص معين أما كون كل من فعل به ذلك يحصل له مثل ذلك