للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فهذ الحديث ظاهر في أن التكليم حصل حقيقة من الذئب للراعي، وأنه كذلك يحصل حقيقة من السوط والنعل والعصا قبل قيام الساعة، إلا أن الشيخ ابن سعدي تأول هذا الحديث بما قد حصل في هذه الأزمان من الاتصالات التليفونية والهوائية والإذاعات وغيرها.

فقال: ".....وإخباره أنه لا بد أن يكلم الرجل عذبه وسوطه وشراك نعله ويخبره فخذه بما فعله أهله بعده، ومصداقه ما ظهر من الأعمال الكهربائية والمخاطبات التليفونية والهوائية والراديات المتنوعة التي لا تزال في نمو وازدياد"١.

ولا ريب أن تأويل ابن سعدي هذا ظاهر البطلان، ويتنافى مع ما سبق أن قرره من وجوب فهم النصوص على ظاهرها من غير تكليف لتأويلها.

ويكفي في بيان بطلان هذا التأويل صدر الحديث حيث أن الراعي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الذئب كلمه فقال النبي صلى الله عليه وسلم "لا تقوم الساعة حتى يخرج أحدكم من أهله فيخبره نعله أو سوطه أو عصاه بما أحدث أهله بعده"٢.

فهنا حصل تكليم حقيقي من الذئب للراعي وكذلك يحصل في آخر الزمان تكلم السباع الآدميين ويكلم السوط والنعل والعصا صاحبه بما أحدث أهله.

كل ذلك حق على حقيقته ويجري على ظاهره ولا يتكلف تأويله بما حصل من المخترعات الحديثة.

ومثله ما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم من أن حجراً في مكة كان يسلم عليه٣، وهذا حق على حقيقته، وكما يقال في هذا الحديث يقال في الحديث الذي قبله.

ومثله أيضاً ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم من أن المسلمين يقاتلون اليهود في آخر الزمان فيقول الحجر والشجر يا مسلم هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله٤، وهذا أيضاً حق على


١ وجوب التعاون بني المسلمين /٤٨.
٢ تقدم تخريجه.
٣ ولفظ الحديث عن جابر بن سمرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني لأعرف حجراً بمكة كان يسلم عليّ قبل أن أبعث إني لأعرفه الآن".
أخرجه مسلم ٤/١٧٨٢، وأحمد ٥/٨٩.
٤ ولفظ الحديث قال صلى الله عليه وسلم: "تقاتلون اليهود حتى يختبئ أحدهم وراء الحجر فيقول يا عبد الله هذا يهودي ورائي فاقتله".
أخرجه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة وابن عمر رضي الله عنهما. البخاري ٣/٢٣٢، ومسلم ٤/٢٢٣٨.

<<  <   >  >>