للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وبحسب معرفته بربه يكون إيمانه، فكلما ازداد معرفة بربه ازداد إيمانه وكلما نقص نقص، وأقرب طريق يوصله إلى ذلك تدبر صفاته وأسمائه من القرآن، والطريق في ذلك إذا مر به اسم من أسماء الله أن يثبت له ذلك المعنى وكماله وعمومه وينزهه عما يضاد ذلك.

خامسا: إن العلم به تعالى أصل الأشياء كلها، حتى إن العارف به حقيقة المعرفة يستدل بما عرف من صفاته وأفعاله على ما يفعله وعلى ما يشرعه من الأحكام؛ لأنه لا يفعل إلا ما هو مقتضى أسمائه وصفاته، فأفعاله دائرة بين العدل والفضل والحكمة، ولذلك لا يشرع ما يشرعه من الأحكام إلا على حسب ما اقتضاه حمده وحكمته وفضله وعدله، فأخباره كلها حق وصدق وأوامره ونواهيه عدل وحكمة.

وهذا العلم أعظم وأشهر من أن ينبه عليه لوضوحه١.

ولهذه الفوائد العظيمة وغيرها من الفوائد التي يحصل عليها من اشتغل بفهم أسماء الله الحسنى وصفاته العلى، فإن الشيخ ابن سعدي يحث على تعلمها ويبين أن الناس بأحوج ما يكونوا إليها إذ هي أعظم الضروريات.

فيقول: "ولهذا فإنه لا أعظم حاجة وضرورة من معرفة النفوس بربها ومليكها الذي لا غنى لها عنه طرفة عين ولا صلاح لها ولا زكاء إلا بمعرفته وعبادته وكلما كان العبد أعرف بأسماء ربه وما يستحقه من صفات الكمال وما يتنزه عنه مما يضاد ذلك،

كان أعظم إيماناً بالغيب واستحق من الثناء والمدح بحسب معرفته وموضع هذا تدبر أسمائه الحسنى التي وصف بها نفسه في كتابه وعلى لسان رسوله فيتأملها العبد اسماً اسماً ويعرف معنى ذلك وأن له تعالى من ذلك الاسم أكمله وأعظمه وأن هذا الكمال والعظمة ليس له منتهى، ويعرف أن ما ناقض هذا الكمال بوجه من الوجوه فإن الله تعالى منزه مقدس عنه...."٢.

أقسام الناس في الأسماء والصفات وبيان منهج السلف فيها:

بعد أن عرفنا أهمية الاشتغال بفهم الأسماء والصفات على مراد الله منها، فلنعلم أن الناس في ذلك ثلاثة أقسام طرفان ووسط.


١ التفسير ١/٢٤، ٢٥، ٢٦، والخلاصة /١٥ بتصرف يسير.
٢ المواهب الربانية /٦١، ٦٢.

<<  <   >  >>