للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وبهذه العبارات أوجز الشيخ مفهومه للجماعة المسلمة التي تتكون بوازع الإيمان وتجتمع على نصرة الإسلام والقتال دفاعا وتطبيقا لشرائعه.

كما أوضح عن فهمه لطبيعة الصراع بين الحق والباطل وأن الباطل لا يخلي مكانه للحق إلا راغما واستدل على ذلك بما جرى للرسول صلى الله عليه وسلم وصحبه.

وقد يأخذ عليه البعض أنه وهو يعمل لنصرة دعوة الإسلام وإحياء سنة الرسول صلى الله عليه وسلم قد خالف هذه السنة فيما جرى منه من مبايعة للأمير محمد بن سعود بأن يكون إماما وذريته من بعده، إذ الثابت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان حريصا وهو يدعو القبائل إلى الإسلام ألا يجعل ثمن نصرهم لدين الله اختصاصهم بإمامة أو ما أشبه، وقد رأينا (١) كيف دعا بني عامر بن صعصعة إلى الإسلام فاشترطوا عليه أن يجيبوه إلى دعوته على أن يكون لهم الأمر من بعده فكان جوابه صلى الله عليه وسلم الرفض المشفوع بقوله:" الأمر لله يضعه حيث يشاء، ثم رأيناه صلى الله عليه وسلم وهو يدخل المدينة مهاجرا يعتذر عن قبول كل دعوة قدمت له للنزول في حي بعينه من أحياء الأوس أو الخزرج ويأمر من أخذ بخطام ناقته أن يخلي عنها حتى بركت الناقة وهي مأمورة ـ كما حدث المعصوم صلى الله عليه وسلم ـ في مريد لغلامين يتيمين فأبى الرسول صلى الله عليه وسلم أن يأخذه إلا بثمنه وفي مكانه أنشأ مسجده.

والاعتراض ولا شك سديد غير أنه مما يخفف اللائمة عن محمد بن عبد الوهاب أنه أولا: من المحال أن يستشرق إلى الذروة التي تسنمها رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد وهو سيد الرسل من أولي العزم وحسب العبد الصالح أن يقتفي أثره ما استطاع.

ثانيا: أن العبارة المنقولة عن الشيخ هي أقرب إلى الدعاء والتمني لقوله:" فأرجو أن تكون إماما". وتحمل على الترغيب وتقريب سبيل الهداية للأمير.

ثالثا: إن كان في معاناة المهجر من العيينة إلى الدرعية يلتمس الأمن والمأوى لتبليغ دعوته." ولا تتم دعوة إلا بوجود شوكة" (٢) وحسبه بهجرته من


(١) الطيري ـ تاريخ الأمم والملوك جـ٢ ص: ٢٣٢
(٢) ابن خلدون المقدمة. ص ٣٢٧

<<  <   >  >>