للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وفريق استفزه منهج المسرفين في العقل على حساب النقل، فانقلب على عقبيه يرى صيانة المنقول في حجب العقل عن محاولة فهمه، وهو بهذا حرم نفسه نعمة التفكير الذي كرر القرآن التنويه به والحث عليه، كما حرم النصوص من التجدد على الأيام بسلامة التفكير وسداد التطبيق.

وبفعل الفريقين بدأ الظلام يزحف على العالم الإسلامي رويداً رويداً حتى إذا ذهبت الحضارة الإسلامية بالغزو التتري البربري الذي أسقط بغداد عام ٦٥٦ هـ توقفت المعارف واستحكم الجمود وساد التقليد.

وتعاقبت القرون بالمسلمين ابتداء من القرن السابع الهجري في تخلف فكري متزايد. ولم تفلح الشموع التي أضاءها بعض العلماء المصلحين في أنحاء مختلفة من العالم الإسلامي في تبديد ظلامه. حتى إذا حل القرن الثاني عشر الهجري كان المسلمون قد هبطوا فكرياً إلى حد الإحتجاب الكامل عن حقائق الإسلام، وكلياته الأساسية في شتى مجالات العقدية بما ينبثق عنها من عبادات ومعاملات. وأصبح معوّل الناس في سائر هذه الأمور على تقليد آراء السابقين.

ووصل جمود التقليد إلى حد تقديس المذاهب، كما لو كان المذهب ديناً مستقلا لا يجوز للمنتسب إليه الخروج عنه أو تقليد غيره في قليل أو كثير. وساد بين الخاصة والعامة وهم مفاده: غلق باب الاجتهاد.

وبسيادة هذا الوهم فسدت العقائد وتلبس التوحيد بالشرك الخفي والجلي وكسدت بضاعة العلم والمعرفة لتروج الأساطير والخرافة، وتحلل الناس من تكاليف الشرع بشتى الحيل وتلاشت سنة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ولم يكن من سبيل إلى الإصلاح إلا بعلاج الداء من جذوره، دون الوقوف عند عرض من أعراضه.

كان العلاج في تصحيح العقيدة بإعادة التوازن بين دور العقل وحجية النقل. ولا سبيل إلى ذلك إلا بفتح باب الاجتهاد. ولم يستطع أحد من رواد الفكر ـولم يخل منهم قرنـ أن ينهض بهذا العبء، حتى ظهر الشيخ "محمد بن عبد الوهاب" المولود عام ١١١٥هـ.

<<  <   >  >>