للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لأن اختلاف مناهج الفقهاء في الاجتهاد يعود أصلاً إلى أي من هاتين المسألتين أو إليهما معاً.

أما حجية النص فالمتفق عليه أن النص مني كان قطعي الورود عن الله عز وجل قرآنا أو حديثا يروى فحجيته ثابتة عند الجميع. وفي هذا المقام تتصدر نصوص القرآن الكريم قائمة النصوص القطعية في الورود عن الله عز وجل إذ لا ينفك الإيمان بهذه الجزئية عن مبدأ الإيمان ذاته والذي لا يكتمل إلا بتمام اليقين بما أنزل الله على رسوله وأنه صلى الله عليه وسلم قد صدق بتبليغه كما أنزل إليه وأن هذا التنزيل محفوظ بما تكفل الله تعالى بحفظه: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (١) . ومن هنا فجميع نصوص القرآن الكريم قطعية الورود عن الله عز وجل وحجيته في العمل ثابتة.

ولكن الشأن في نصوص الأحاديث المنسوبة إلى رسول لله صلى الله عليه وسلم ليس كذلك فمراتبها على ما صنف علماء الحديث تختلف بين الصحيح والحسن والضعيف والموضوع بل ولا يوجد اتفاق على مراتب معظم الأحاديث فالصحيح عند فقيه ضعيف عند آخر موضوع عند ثالث مما أجمله علماء الأصول في القول بوجود نص قطعي الورود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخر ظني الورود عنه صلى الله عليه وسلم.

فإذا كانت حجية قطعي الورود من النصوص مما لا خلاف عليه فإن الخلاف واقع في حجية طني الورود منها. وهنا يقع أول الخلاف بين المجتهدين فيما يعود عليه من النصوص لثبوت حجيته وما لا يعول عليه لعدم ثبوت هذه الحجية.

وإلى هذا السبب يعزى اختلاف الفقهاء بين أهل الرأي منهم كما سمى الأحناف وبين أصحاب الحديث كما سمى أتباع الشافعي وأحمد، فالأولون قل ما لديهم من نصوص الأحاديث التي اطمأنوا إلى قطعيتها ومن ثم حجيتها فعولوا أكثر من غيرهم على القياس حتى سماهم خصومهم أهل الرأي بمقولة أنهم يقيسون بالرأي. وأصحاب الحديث كان محصولهم من الأحاديث التي اطمأنوا إلى قطعيتها ومن ثم حجيتها اكثر وأوفر فوجدوا في تطبيقها ما يسد حاجتهم.


(١) سورة الحجر. آية: ٩

<<  <   >  >>