{كَلَّا سَيَعْلَمُونَ}[النبأ:٤] ، (كلا) كلمة: ردع وزجر ونفي لمعنىً متقدم، فمثلاً: قوله تعالى: {عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى * أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى * أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى * فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى * وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى * وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى * وَهُوَ يَخْشَى * فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى * كَلَّا}[عبس:١-١١] ، فكلا هنا معناها: وليس الأمر كما تصرفت يا محمد! ليس التصرف الصحيح هو الذي تصرفته في هذا المقام.
فكلا نفي للتصرف الذي تقدم، وللظن الذي تقدم، فكلا أحياناً تتضمن معنى الردع والزجر، فهنا قال تعالى:(كَلَّا) ، أي: ليس الأمر كما ظننتم أنه ليس هناك بعث، وليس الأمر كما توهمتم أن محمداً ساحر، وليس الأمر كما توهمتم أنها:{أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا}[الفرقان:٥] ، فهذا الظن ظن خاطئ، {سَيَعْلَمُونَ}[النبأ:٤] أن ظنهم خاطئ، وأن قولهم في غير محله.
{ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ}[النبأ:٥] ، لماذا كررت {ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ} ؟ قال فريق من أهل العلم: إنها كررت للتأكيد، أي: إن الأمر ليس كما تظنون، ثم إن الأمر ليس كما تظنون، بل هذا القرآن من عند الله منزل، والبعث آت لا شك فيه.
ومن أهل العلم من قال: إن كلا الأولى التي هي {كَلَّا سَيَعْلَمُونَ} خاصة بالكفار، وقوله:{ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ} خاصة بأهل الإيمان، وليس هناك دليل يدل على هذا القول.
ومن أهل العلم من قال: هذه الآيات {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ}{عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ}{الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ} تعم المؤمنين والكفار، فمن المؤمنين من كان يسأل: متى الساعة يا رسول الله؟! أو أن المؤمنين يتبنون القول بأنها قائمة، والكفار يتبنون القول بأنها ليست قائمة، وهذا وجه آخر في التأويل.