قال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ}[البروج:١٠] ما هو وجه قوله (فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ) ، واتباعه بقوله:(وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ) ؟ من أهل العلم من قال: هما عذابان: عذاب جهنم للكفر، وعذاب إضافي وهو: عذاب الحريق مقابل تحريقهم لأهل الإيمان، كما قال الله سبحانه وتعالى:{الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}[النحل:٨٨] فهم فعلوا شيئين: كفروا، وصدوا عن سبيل الله، {زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ العَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ}[النحل:٨٨] ، فعذاب على الكفر، وعذاب للصد عن سبيل الله.
فمن العلماء من قال: هما عذابان: عذاب جهنم للكفر، وعذاب الحريق نتيجة تحريق المؤمنين.
ومن أهل العلم من قال: إن المراد بعذاب جهنم الأولي في قوله تعالى: (فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ) : الزمهرير.
قال تعالى:(عَذَابُ الْحَرِيقِ) ، الذي هو التعذيب بالنار، فعليه هم يعذبون عذابا بالزمهرير الذي هو البرد الشديد، ثم يتبع الزمهرير بالحريق الذي هو النار، كما قال سبحانه:{هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ}[ص:٥٧] .
(حميم) : انتهى حره وبلغ الدرجة العليا من الحر، و (غساق) : بلغ المنتهى في البرودة.
ومن أهل العلم من سلك مسلكاً آخر، فقال: لهم عذاب جهنم في الآخرة، ولهم عذاب الحريق في الدنيا، قال: فإن النار التي أضرموها وألقوا فيها أهل الإيمان تطاير عليهم شررها فأحرقهم.
فعلى هذا القول الأخير، يرد التعكير على قول من قال: من الكتاب أو المؤلفين أن كل قوم مجرمين ذكرت عقوبتهم الدنيوية في كتاب الله إلا أصحاب الأخدود فلم تذكر لهم عقوبة في الدنيا، وادخر لهم العذاب في الآخرة، فثم قول يثبت -وهو قول من أقوال العلماء وليس مرفوعاً للنبي صلى الله عليه وسلم- أن الذين خدوا الأخاديد للناس أحرقوا بشررها في الدنيا؛ لهذه الآية، والله سبحانه وتعالى أعلم.