للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[موقف المؤمنين عند التحاكم إلى شرع الله]

{إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} [النور:٥١] ، سواءً كان لهم الحق أو كان عليهم، شأنهم أن يقولوا: سمعنا وأطعنا، فعلى ذلك: أي شخص يُدعى إلى الكتاب والسنة ليحكم فيه، فعليه وجوباً -وليس مخيراً في ذلك- أن يذعن لحكم الله ولحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم.

إن بعض الإخوة أحياناً يقدم رأيه على نصوص الكتاب وهو لا يشعر، فبالأمس القريب حدثت مشكلة بين الإخوة في المحل، أحدهم طلق زوجته وهي ما زالت في العدة، فجاء وراجعها قبل انتهاء العدة بيوم أو يومين أو ثلاثة، فإذا بإخواننا يغضبون، وكلهم يقفون ويقولون: لا ترجع إليه! لماذا ورب العزة يقول: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ} [البقرة:٢٢٨] ؟ أي: في العدة، {إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحًا} [البقرة:٢٢٨] ؟ فلا قول مع قول الله، وهي ما دامت في العدة فهي ما زالت زوجة لمن طلقها إذا كان الطلاق رجعياً، ولا يحل لها هي بنفسها أن تقول: لا أرجع له، ولكن أحياناً الهوى يعصف بالدليل عند كثير من الناس.

قال الله سبحانه: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} [النور:٥١] ، وليس سمعنا وأطعنا فقط، بل سمعنا وأطعنا وقلوبهم بذلك راضية، قال الله سبحانه: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِينًا} [الأحزاب:٣٦] ، وقال سبحانه: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء:٦٥] ، فليس فقط أنك ترضى في الظاهر بحكم الكتاب والسنة، لكن أيضاً قلبك يكون مطمئناً راضياً، قال سبحانه: {ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} ، فهذا الواجب أمام حكم الله وحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، عليك أن تسمع وأن تطيع، ويكون قلبك من الداخل راضياً بحكم الله، وراضياً من الداخل بحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورب العزة يقسم على هذا، والمسائل التي يقسم فيها الرب قليلة، والقسم فيها دل على أهميتها، فرب العزة يقسم على قيام الساعة لأهمية الساعة: {قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ} [سبأ:٣] ، {قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ} [التغابن:٧] ، وقال هنا: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} ليس ذلك فقط، بل {ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} ، هذا هو الإيمان النابع عن رضا من القلب، وعن سمع وطاعة في الظاهر والباطن.

قال سبحانه: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ} وإنما تفيد الحصر، أي: ليس لهم قول إلا أن يقولوا: سمعنا وأطعنا، {وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [النور:٥١] والمفلحون: هم الفائزون بالمطلوب، الناجون من المرهوب، الرجل المفلح: هو الرجل الذي فاز بما يطلب، ونجا مما يرهب، فهو يطلب الجنة ويرهب من النار، فهذا غاية مراد أهل الإيمان.

{وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} [النور:٥٢] .

{وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ} يتقي ما يجلب له العذاب كذلك {فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} .