للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[لطائف وفوائد]

في قصة البقرة لطائف أذكرها للاستملاح كما ذكرها أهل العلم:

قيل لإمام أهل السنة والجماعة: (أبي عبد الله أحمد بن حنبل): أتذبح البقرة أم تنحر؟ لأن البخاري في الصحيح في كتاب الحج قال: باب هل تذبح البقر؟ قال الإمام أحمد: بل تذبح.

قالوا: وما الدليل؟ قال: قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} [البقرة:٦٧] والشاهد في هذا فقه الأئمة, هذه العقول المدركة التي رفعت مستوى الثقافة عند المسلمين، فشرفنا أحمد بن حنبل، وتاريخنا ابن تيمية، ومجدنا مالك، وسؤددنا الشافعي، هذا ميراثنا فليرينا العملاء الخونة ميراثهم، إما وَتَر أو بلوت، أو ضياع أو موسيقى حالمة، لكن هذه استنباطات الأئمة, وضعوا عقولهم في مدرسة الوحي فأنتجت طلاباً كالنجوم, وغرسوا أفكار أشجارهم في حديقة لا إله إلا الله فآتت أكلها كل حين بإذن ربها.

ومنها: جواز بيع السلم.

انظر إلى عقل الإمام مالك كيف طارت به أشواقه حتى وقع على قصة البقرة، قال: فمن باع غرضاًً بصفة كصفة بقرة بني إسرائيل جاز بيعه بصفة معلومة؛ لأن هذه البقرة وصفت لهم من الله عز وجل فبحثوا عنها فوجدوها.

ومن ذلك أن المسلم لا يتعنت أمام المسائل الشرعية، ولا يفحم العلماء, وقد نهى صلى الله عليه وسلم عن الأغلوطات، ونهى عن إفحام أهل العلم، بل عليك أن تطلب العلم لوجه الله، ويكون غرضك من المسألة أن تعمل بها لا أن تعنت وتعجز هذا العالم، وهذه تربية للتلاميذ في المدارس والجامعات؛ أن يتقوا الله في الأساتذة؛ فلا يفحموهم بالمسائل العويصة والأغلوطات, فإن من فعل ذلك فقد تكلف، ومن تكلف فليس منا {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ * قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِين} [المائدة:١٠١ - ١٠٢].

قال أهل العلم: ويؤخذ من هذه القصة أيضاً أن الدين يسر، وأن الله إذا أمر بأمر فهو على ظاهره، فلا يدور المسلم حول أمر الله بل ينفذه سمعاً وطاعة.

قالوا: ويؤخذ منها أن من امتثل الأمر في أول شيء وقام به في أول وقته فهو المأجور، فمن صلى الصلاة في أول وقتها أجر لا كمن صلاها في آخر الوقت، وعند البخاري، وعند الترمذي وابن خزيمة: أن ابن مسعود قال للرسول: أي الاعمال أفضل؟ قال: {الصلاة في أول وقتها} ويروى: {الصلاة في أول وقتها رضوان الله} وكذلك من حج في أول عمره، ومن تاب في أول عمره أفضل ممن ترك المتاب والعودة إلى الله حتى بلغ الستين والخمسين.

تفر من الهجير وتتقيه فهلا من جهنم قد فررت

وتشفق للمصر على الخطايا وترحمه ونفسك ما رحمت

مشيت القهقرى وخبطت عشوا لعمرك لو وصلت لما رجعت

ويقبح بالفتى فعل التصابي وأقبح منه شيخ قد تفتى

قال ابن تيمية في هذه القصة: ويؤخذ منها -أيضاً- أن من أخر التوبة وفعل الأفعال الشنيعة على كبر عمر فإنه قد أساء إساءتين: إساءة المعصية، وإساءة عدم الإعذار من الله، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: {ثلاثة لا ينظر الله إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم.

وذكر منهم أشيمط زاني} شيخ يأتي يوم القيامة ولا ينظر الله إليه ولا يزكيه وله عذاب أليم، لا حجة له، وقال عليه الصلاة والسلام كما في الصحيح: {أعذر الله إلى امرئ بلغه ستين سنة} معنى الحديث عند أهل السنة: أي قطع الله عليه الحجة يوم القيامة فلا حجة له، إذا أتى وعمره ستون فيقول الله له: لِمَ لم تتب؟ قال: يا رب لو أمهلتني لتبت.

أبعد الستين مهلة؟! {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ} [فاطر:٣٧] قال ابن عباس: [[النذير الشيب, ومن عمّره الله ثماني عشرة سنة فقد أعذر إليه]] هذا عند كثير من المفسرين ولكن الحديث أصح.

فالبدار البدار، لا نصبح كبني إسرائيل نسمع الموعظة فنقول: غداً أو بعد سنة، أو ماذا يراد من هذا الكلام؟ أو ما هو المطلوب منا؟ بل علينا أن نمتثل.

والعقول الملتوية المنحرفة هي مدرسة شامير، وموشي ديان، على مر تاريخ الإنسان, وهم أناس ربما يوجدون في قلب الأمة الإسلامية, وهم كالجراثيم تجتث، ولكنها لا تضر هذا الجسم الطاهر, ولذلك نقول في كل صلاة: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة:٧] قال سفيان بن عيينة رحمه الله: [[من فسد من علمائنا ففيه شبه باليهود، ومن فسد من عبادنا ففيه شبه بالنصارى]] والأمة اليوم وقع فيها مدرسة تشابه مدرسة النصارى ومدرسة اليهود, في أفكارها وفي التوائها وفي محاربتها، وفي أطروحاتها وأقلامها، وأدبها وغزلها وغنائها، فنسأل الله أن يهدينا الصراط المستقيم، وأن يلهمنا وإياكم رشدنا، وأن يقينا شر أنفسنا.

عباد الله! صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:٥٦].

<<  <  ج:
ص:  >  >>