نجد أن بعض الأمور أو الخطوات العملية -وهي التي أختصر لكي أصل إليها- وهي التي تهمنا نحن المسلمين أكثر فأكثر، فقد ظهرت وبرزت منذ عملية إعادة البناء التي نادى بها جورباتشوف.
من ذلك: أن أوروبا الغربية مقبلة على اتحاد، وأن تكون برلماناً واحداً، وأن يكون لها وجود وكيان اقتصادي واحد، والدول المتفقة على هذه الوحدة يبلغ مجموع سكانها (٣٢٥) مليون، وهي بذلك تصبح أقوى بشرياً من أكبر تجمع غربي قائم الآن، وهو الولايات المتحدة الأمريكية فيصبح هناك ولايات أوروبية متحدة أكبر وأقوى بشرياً من الولايات المتحدة الأمريكية، وينتج عن ذلك سيطرة اقتصادية أكبر، ووقوف في وجه المنافسة مع أمريكا ذاتها أو مع اليابان أو غيرها.
هنا لا بد أن يقف الاتحاد السوفيتي في موقفٍ حرج للغاية أمام الانهيار الذي يُعاني منه اقتصادياً وعلمياً، والانهيار الاقتصادي الذي يعاني منه هو أحد الأسباب التي يُركز عليها جورباتشوف في كتاباته وفي محاضراته وفي لقاءاته عن عملية إعادة البناء، وهناك حادثتان للتمثيل عن ذلك: الحادثة الأولى: حادثة الإشعاعات النووية التي تسربت من تشر نوبل وهي -كما تعلمون- قد أثبتت عجز الاتحاد السوفيتي عن مقاومة أو تدارك أخطار هذه الإشعاعات.
الحادثة الثانية: حادثة زلازل أرمينية حيث عجزت الطاقة السوفييتية عن ملاحقة ومتابعة الحادث، مما اضطرهم إلى الاستعانة بالدول الغربية، سواء بانتشال الجثث، أو إيواء المشردين، بالإضافة إلى النقص الهائل في المواد الغذائية كالقمح والسكر وغير ذلك.
فكيف سيكون حال الاتحاد السوفيتي لو أن أوروبا وهي مقبلة على التوحد توحدت فعلاً؟! وأوروبا الشرقية إنما تعيش على معونات الاتحاد السوفيتي، والأحزاب والدول الشيوعية في العالم إنما تعيش على مساعدات الاتحاد السوفيتي؛ إذاً كيف سوف يكون هذا الوضع في حالة توحد أوروبا الغربية؟! وبالتأكيد فـ الولايات المتحدة الأمريكية بهيمنتها العسكرية سوف تربطها بـ أوروبا أقوى الروابط، ومعنى ذلك أن تجمعاً أوروبياً غربياً يشكَّل ويؤلَّف بإرادة ستمائة مليون أو أكثر، سيكونون قوةً كبرى سياسياً واقتصادياً تواجه الاتحاد السوفيتي، ومن هنا فإن جورباتشوف يعتبر أن عملية إعادة البناء هي في حقيقتها إنقاذ للاتحاد السوفيتي، وإنقاذ للشيوعية عموماً من الانهيار والاضمحلال.