[خيار الاختلاف للمتبايعين]
النوع السابع: خيار الاختلاف للمتبايعين، فإذا اختلفا في قدر الثمن، أو أجرة الدار، أو عين المبيع ولا بينة، أو لكل واحد منهما بينة، فلهما بينتان، عند هذا بينة، وعند هذا بينة، وتعارضت البينتان وتساقطتا، فلابد من الحلف، فيقول البائع: بعتك بستمائة.
ويقول المشتري: بل بخمسمائة.
وليس هناك بينة، وليس هناك وثيقة، وكذلك الأجرة، إذا قال -مثلاً-: استأجرت الدار بعشرة آلاف، فقال: بل بخمسة عشر ألفاً، وليس هناك وثائق، وليس هناك بينة، ففي هذه الحال لابد من التحالف، فيتحالفان، ويبدأ البائع بالحلف؛ وذلك لأنه العارف بالأصل، فصاحب السلعة هو العارف بالقيمة، وهو عادة ما يبيع الشاة إلا بمائتين، وهذا يقول: اشتريتها منك بمائة، أو عادته أنه ما يبيع مثلاً الكيس إلا بمائة، وهذا يقول: اشتريت منك بخمسين، ففي هذه الحال يحلف البائع، ويشتمل حلفه على نفي وإثبات، فيقول: والله ما بعتك الكيس بمائة، وإنما بعتك بمائتين.
يشتمل على نفي وإثبات، ويبدأ بالنفي: ما بعتك بمائة، وإنما بعتك بمائتين -مثلاً-؛ أو ما بعتك البيت بأربعمائة، وإنما بعتك بخمسمائة.
وكذلك في الإجارة، يقول: ما أجرتك بعشرة، وإنما أجرتك بخمسة عشر، وكذلك لو كان الخلاف في عين المبيع، إذا اختلفا فقال المشتري: بعتني نعجة.
فقال البائع: بل بعتك الكبش.
فيحلف ويقول: ما بعتك النعجة الأنثى وإنما بعتك الذكر -الكبش-.
فيشتمل حلفه على نفي وإثبات، فإذا لم يرض المشتري بيمينه حلف المشتري، فيحلف بعد ذلك ويقول: والله ما اشتريته بمائتين، وإنما اشتريته بمائة، والله ما استأجرته بخمسة عشر، وإنما استأجرته بعشرة.
فتشتمل يمينه -أيضاً- على نفي وإثبات، ويبدأ بالنفي، أو يقول: والله ما اشتريت الكبش، وإنما اشتريت النعجة، فيشتمل على نفي وإثبات، ويحلف البائع: ما بعتك بكذا، وإنما بعتك بكذا، ثم يحلف المشتري: ما اشتريته بكذا، وإنما اشتريته بكذا.
ولكل الفسخ إن لم يرض بقول الآخر، فإذا لم يوافق البائع على البيع بمائة فله أن يقول: رد علي الكيس، رد علي نعجتي، رد علي بيتي.
فإن رضي المشتري، وقال: قبلته بمائة وخمسين، قبلت الكبش بدل النعجة، قبلت الإيجار بخمسة عشر ألفاً.
فله ذلك.
فالحاصل أنهما إذا تحالفا -أي: حلف البائع ثم حلف المشتري- فإنهما يفسخان العقد.
وإذا كانت السلعة تالفة، فيتحالفان ويغرم المشتري القيمة، فقد تتلف السلعة عند المشتري، فإذا ذبح الشاة -مثلاً- واختلفا في قيمتها، فالبائع يقول: بمائتين.
والمشتري يقول: بمائة.
وهذا قد ذبحها وأكلها، ففي هذه الحال تقدر كم قيمة شاة صفتها كذا وكذا؟ يسأل أهل النظر: بكم تقدرونها؟ فيغرمها المشتري بما تساوي، وإذا اختلفا في صفتها فقال البائع: إنها شاة سمينة أو لبون، وقال المشتري: بل هزيلة، وليست حاملاً، وليست لبوناً.
فالقول قول الغارم وهو المشتري، وكذلك في سائر ما يختلفان فيه، فإذا قال المشتري: الثوب احترق، وفيه عيوب، وفيه خروق، وثمنه بعشرة، فقال البائع: بل ثمنه بخمسة عشر، وهو سليم، وليس فيه خروق، وليس فيه عيوب.
ففي هذه الحال المشتري يقول: بعشرة، والبائع يقول: بخمسة عشر، والثوب قد احترق أو قد تمزق، واختلفا في العيوب التي فيه، واختلفا في صفته، فمن يقدم قوله؟ القول قول المشتري؛ لأنه غارم؛ فيقدر بقيمته التي يقدره بها ويصفه بها المشتري.
وإن اختلفا في أجل أو شرط ونحوه فالقول قول من ينفيه، مثال الأجل: إذا قال: إني اشتريت البيت مؤجلاً أو لمدة سنة.
فقال البائع في الحال: ليس هناك أجل، تنقدني الثمن حالاً.
فالقول قول البائع؛ لأنه نافٍ، وكذلك لو قال البائع: بعتك البيت بشرط أن أسكنه شهراً.
وأنكر ذلك المشتري، وقال: بل البيع ناجز، وليس هناك شرط، ففي هذه الحال القول قول من ينفي الشرط.
وكذلك لو اختلفا في تحديد الأجل، فالبائع يقول: أجل الدين ستة أشهر، والمشتري يقول: اثنا عشر شهراً.
فالقول قول البائع أنه ستة أشهر؛ لأنه نافٍ للزيادة، ولأن الأصل حل المبيعات، وعدم تأجيلها.
فالحاصل أنه إذا اختلفا في أجل أو شرط فالقول قول من ينفيه.
وكذلك إذا اختلفا في عين المبيع أو قدره فالقول قول البائع، مثال اختلافهما في عين المبيع: أن يقول البائع: بعتك الذكر.
ويقول المشتري: اشتريت الأنثى.
أو يقول: بعتك هذا البيت الذي هو دور.
فيقول: لا، بل بعتني هذا البيت الذي هو من دورين.
ففي هذه الحال القول قول البائع؛ لأنه هو المالك، فيحلف أني ما بعته هذا البيت، وإنما بعته هذا البيت، ما بعته الأنثى، وإنما بعته الذكر.
هذا مثال اختلافهما في عين المبيع.
وكذلك إذا اختلفا في قدره، فإذا قال -مثلاً-: بعتني كيسين بمائة.
فقال: بل كيساً.
ففي هذه الحال القول قول البائع: أو ما بعته كيسين، وإنما بعته كيساً.
وتقدم مثال اختلافهما في قدر الثمن.