٤ - كتاب اقتضاء العلم العمل. للخطيب البغدادي (٣٩٢ - ٤٦٣)
ثم جاءني من فضيلته خطاب، يكلفني فيه أن أصور هذه الرسائل له، إذا ما عدت إلى دمشق، في العطلة الصيفية، ففعلت، وأرسلت إليه بمصوراتها.
ومن نحو أربعة أشهر، كتب فضيلته إلينا برغبته في أن نقوم بطبعها في دمشق مع التعليق عليها، فاستجبت لرغبته، وشرعت في إعداد الرسائل الأربع للطبع، فاستنسختها وقابلتها بالأصول ثم علقت عليها تعليقات مختصرة مفيدة، بعضها في شرح المفردات الغريبة، وتوضيح بعض الجمل التي قد تخفى على بعض الناس.
وأضفت إلى ذلك بيان حال أحاديثها المرفوعة، صحة أو ضعفا، وكذلك بينت حال بعض الآثار الموقوفة، إذا كان لها أهمية خاصة في نظري. وإنما فعلت ذلك لأن أحاديث هذه الرسائل، قد ساقها مؤلفوها بأسانيدها إلى منتهاها باستثناء أبي عبيد، قلما يفعل ذلك، بل هو على الغالب يعلقها تعليقا بدون إسناد، وتلك هي طريقة المحدثين من علمائنا رحمة الله عليهم، أن يرووا الأحاديث بأسانيدها، ليتمكن الواقف عليها من الحكم عليها بما تستحقه من صحة أو ضعف، على ضوء علم مصطلح الحديث وتراجم رواته، وهذه هي الوسيلة الوحيدة التي بها يمكن للعالم أن يعرف ما قاله ﵊ مما لم يقله، ولما كان عامة الناس - إلا قليلًا منهم - لا يعرفون، وبعضهم لا يتمكنون من استعمال هذه الوسيلة والاستفادة منها لمعرفة ذلك، كان لا بد للمتمكن من هذا العلم أن يبين ذلك للناس نصحًا لهم في دينهم، وليس يكفي فيها نحن فيه، ما جرى عليه عامة المخرجين والمعلقين قديمًا وحديثًا - إلا من عصم الله - من الاقتصار على قولهم: رواه فلان وفلان من حديث فلان وفلان! دون أن يبينوا حال أسانيدها، وقد يكون في رواتها بعض الضعفاء والمتروكين، أو الكذابين الوضاعين، فإن مثل هذا التخريج لا يفيد جماهير الناس أصلًا، بل إنه كثيرًا