واعلم أنه قد كان هناك خلاف قديم بين السلف في كتابة الحديث النبوي فمنهم المانع، ومنهم المبيح، وستأتي في الكتاب آثار غير قليلة من النوعين، ثم استقر الأمر على جواز الكتابة، بل وجوبها، الأمر النبي ﷺ، بها في غير ما حديث واحد كقوله "اكتبوا لأبي شاه" أخرجه البخاري. ومن المعلوم أن الحديث هو الذي تولى بيان ما أجمل من القرآن وتفصيل أحكامه، ولولاه لم نستطيع أن نعرف الصلاة والصيام، وغيرهما من الأركان والعبادات على الوجه الذي أراده الله ﵎. وما لا يقوم الواجب إلا فهو واجب. ولقد ضل قوم في هذا الزمان زعموا استغناءهم عن الحديث بالقرآن، وهو القائل (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما أنزل إليهم) فأخبر أن ثمة مبيَّنًا، وهو القرآن، ومبيِّنًا، وهو الرسول ﵊ وحديثه، وقد أكد هذا قوله ﷺ في الحديث الصحيح المشهور: "ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه".