للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

جاء به مِن عندِ اللهِ مِن الأحكامِ والفرائضِ. ثم قال كلُّ فريقٍ منهم للفريقِ الآخرِ ما أخبرَ اللهُ عنهم في قولِه: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ﴾. مع تلاوةِ كلِّ واحدٍ مِن الفريقين كتابَه الذى يشهَدُ على كذبِه في قيلِه ذلك.

فأخْبَر جل ثناؤُه أن كلَّ فريقٍ منهم قال ما قال مِن ذلك، على علمٍ منهم أنهم فيما قالوه مُبْطِلون، وأتَوْا ما أتَوْا مِن كفرِهم بما كفروا به، على معرفةٍ منهم بأنهم فيه مُلحِدون.

فإن قال لنا قائلٌ: أوَ كانت اليهودُ أو النصارَى بعدَ أن بعَث اللهُ رسولَه على شيءٍ، فيكونَ الفريقُ القائلُ ذلك منهم للفريقِ الآخرِ مُبطِلًا في قيلِه ما قال مِن ذلك؟

قيل: قد روَينا الخبرَ الذى ذكَرْناه عن ابنِ عباسٍ قبلُ، مِن أن إنكارَ كلِّ فريقٍ منهم إنما كان إنكارًا لنبوَّةِ النبىِّ الذى كان يَنْتحِلُ التَّصْديقَ به وبما جاء به الفريقُ الآخرُ، لا دفعًا منهم أن يكونَ الفريقُ الآخرُ -في الحالِ التى بعَث اللهُ فيها نبيَّنا - على شيءٍ مِن دينِه، بسببِ جحودِه نبوَّةَ نبيِّنا محمدٍ . وكيف يجوزُ أن يكونَ معنى ذلك إنكارُ كلِّ فريقٍ منهم أن يكونَ الفريقُ الآخرُ على شيءٍ بعدَ ما بُعث نبيُّنا ، وكلُّ (١) الفَرِيقين كان جاحدًا نبوَّةَ نبيِّنا في الحالِ التى أنزَل اللهُ فيها هذه الآيةَ؟ ولكن مضى ذلك: وقالت اليهودُ: ليست النصارَى على شيءٍ مِن دينِها منذ دانَتْ دينَها. وقالت النصارى: ليست اليهودُ على شيءٍ منذ دانَتْ دينَها. وذلك هو معنى الخبرِ الذى روَيناه عن ابنِ عباسٍ آنِفًا. فكَذَّب اللهُ الفريقين في قيلِهما ما قالا.


(١) في م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "كلا".