للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يُؤَاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ﴾. قال: اللغوُ في هذا الحلفُ باللهِ ما كان بالألسنِ. فجعَله لغوًا، وهو أن يقولَ: هو كافرٌ بالله، وهو إذن يُشْرِكُ باللهِ، وهو يَدْعُو مع اللهِ إلهًا. فهذا اللغوُ الذى قال اللهُ تعالى في سورةِ "البقرةِ": ﴿وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ﴾، قال: بما كان في قلوبكم صدقًا واخِذُك به، فإن لم يَكنْ في قلبِك صدقًا لم يُواخِذْك به، وإن أثِمْتَ (١).

والصوابُ مِن القولِ في ذلك أن يقالَ: إن اللهَ تعالى ذكرُه أوْعَد عبادَه أن يُؤاخِذَهم بما كَسَبت قلوبُهم مِن الأيمانِ، فالذى تَكْسِبُه قلوبُهم مِن الأيمانِ هو ما قصَدَتْه وعزَمَت عليه، على علمٍ ومعرفةٍ منها بما تَقْصِدُه وتُريدُه، وذلك يَكونُ منها على وجهين؛ أحدُهما: على وجهِ العزمِ على ما يَكونُ به العازمُ عليه في حالِ عزمِه بالعزمِ عليه آثمًا، وبفعلِه مستحِقًّا المؤاخَذةَ مِن اللهِ عليها، وذلك كالحالفِ على الشئِ الذى لم يَفْعَلْه أنه قد فعَله، وعلى الشئِ الذى قد فعَله أنه لم يَفْعَلْه، قاصدًا أصْلَ (٢) الكذبِ، وذاكرًا أنه قد فعَل ما حلَف عليه أنه لم يَفْعَلْه، أو أنه لم يَفْعَلْ ما حلَف عليه أنه قد فعَل، فيكونُ الحالفُ بذلك -إن كان مِن أهلِ الإيمانِ باللهِ وبرسولِه- في مشيئةِ اللهِ يومَ القيامةِ، إن شاء واخَذَه به في الآخِرةِ، وإن شاء عفا عنه بتفضلِه، ولا كفارةَ عليه فيها في العاجلِ؛ لأنها ليست مِن الأيمانِ التى يَحْنَثُ فيها، وإنما الكفارةُ تَجِبُ في الأيمانِ بالحِنْثِ فيها، والحالفُ الكاذبُ في يمينِه ليست يمينُه مما يُبْتَدَأُ فيه الحِنْثُ فتَلْزَمَ فيه الكفارةُ.

والوجهُ الآخرُ منهما: على وجهِ العزمِ على إيجابِ عقدِ اليمينِ في حالِ عزمِه على ذلك، فذلك مما لا يُواخَذُ به صاحبُه حتى يَحْنَثَ فيه بعدَ حلفِه، فإذا حنِث فيه


(١) تقدم تخريجه في ص ٣٢.
(٢) في م: "لقيل".