للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المقدسِ لأقتُلنَّهم حتى تسيلَ دماؤهم في وسطِ عسكرى، إلّا أن لا أجدَ أحدًا أقتُلُه. فأمَر أن يقتُلَهم حتى يبلُغَ ذلك مِنهم نَبُوزُرادانَ، فدخَل بيتَ المقدسِ، فقام في البقعةِ التي كانوا يُقرِّبون فيها قربانَهم، فوجَد فيها دمًا يغلى، فسأَلهم فقال: يا بنى إسرائيلَ، ما شأنُ هذا الدمِ الذي يَغلِى، أخبِرونى خبرَه، ولا تكتُمونى شيئًا من أمره. فقالوا: هذا دمُ قربانٍ كان لنا كنّا قرَّبناه فلم يُتَقَبَّلْ منا، فلذلك (١) هو يَغلِى كما تراه، ولقد قرَّبنا منذُ ثمانِمائةِ سنةٍ القربانَ فتُقبِّلَ منا إلا هذا القربانُ. قال: ما صدَقتُمُونى الخبرَ. قالوا له: لو كان كأوَّلِ زمانِنا لقُبل مِنّا، ولكنه قد انقطَع منا المُلكُ والنُّبوَّةُ والوحيُ، فلذلك لم يُقبَلْ منا. فذبَح منهم نَبُوزُرادانَ على ذلك الدمِ سبعَمائةٍ وسبعين روحًا مِن رءوسِهم فلم يهدَأْ، فأمَر بسبعِمائةِ غلامٍ مِن غِلمانِهم فذُبحوا على الدمِ فلم يهدَأْ، فأمَر بسبعةِ آلافٍ مِن شِيَعهم وأزواجِهم، فذبَحهم على الدمِ فلم يَبرُدْ ولم يهدَأْ، فلما رأَى نبوزُرادان أن الدمَ لا يهدَأُ قال لهم: ويْلَكم يا بنى إسرائيلَ، اصدُقونى واصبِروا على أمرِ ربِّكم، فقد طال ما مُلِّكتم في الأرضِ، تفعَلون فيها ما شِئتم، قبلَ أن لا أتركَ مِنكم نافخَ نارٍ؛ أنثى ولا ذكرًا إلا قتَلتُه. فلما رأَوُا الجهدَ وشدَّةَ القتلِ صدَقوه الخبرَ، فقالوا له: إن هذا دمُ نبيٍّ مِنّا كان ينهانا عن أمورٍ كثيرةٍ مِن سُخْطِ اللَّهِ، فلو أطَعناه فيها لكان أرشدَ لنا، وكان يُخبِرُنا بأمرِكم، فلم نُصدِّقْه، فقتَلناه، فهذا دمُه. فقال لهم نَبُوزُرادانَ: ما كان اسمُه؟ قالوا: يحيى بنَ زكريا. فقال: الآنَ صدَقتمونى، بمثلِ هذا ينتقِمُ ربُّكم مِنكم. فلما رأى نَبُوزُرادانَ أنهم صدَقوه خرَّ ساجدًا وقال لمن حولَه: غلِّقوا أبوابَ المدينةِ، وأخرِجوا مَن كان ههنا من جيشِ خردوسَ. وخلا في بنى إسرائيلَ، ثم قال: يا يحيى بنَ زكريا، قد علم ربي وربُّك ما قد أصاب قومَك مِن أجْلِك، وما قُتل مِنهم مِن أجلِك، فاهدأْ بإذنِ اللَّهِ قبلَ أن لا أُبقىَ من قومِك أحدًا. فهدَأ دمُ يحيى بن زكريا بإذنِ اللَّهِ، ورفَع نَبُوزُرادانَ عنهم القتلَ، وقال: آمَنتُ بما آمَنَت به بنو إسرائيلَ، وصدَّقتُ وأيقَنتُ


(١) في ت ٢: "فكذلك".