للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وسبىُ ذَراريِّهم ونسائهم، يقولُ اللَّهُ : ﴿وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا﴾. ثم عاد اللَّهُ عليهم، فأكثَر عددَهم، ونشَرهم في بلادِهم، ثم بَدَّلوا وأحدَثوا الأحداثَ، واستبدَلوا بكتابِهم غيرَه، وركِبوا المعاصىَ، واستحَلُّوا المحارمَ، وضيَّعوا الحدودَ (١).

حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا سلمةُ، عن ابن إسحاقَ، عن أبي عَتَّابٍ - رجلٌ مِن تَغلِبَ كان نصرانيًّا عُمرًا مِن دهرِه، ثم أسلَم بعدُ، فقرَأ القرآنَ، وفَقِه في الدينِ، وكان، فيما ذكِر له (٢)، نصرانيًا أربعين سنةً، ثم عُمِّر في الإسلامِ أربعين سنةً - قال: كان آخرُ أنبياءِ بنى إسرائيلَ نبيًّا بعَثه اللَّهُ إليهم، فقال لهم: يا بنى إسرائيلَ، إن اللَّهَ يقولُ لكم: إنى قد سبَبتُ (٣) أصواتَكم، وأبغَضتُكم بكثرةِ أحداثِكم. فهَمُّوا به (٤)، فقال اللَّهُ له: ائتِهم واضرِبْ لى ولهم مثلًا، فقل لهم: إن اللَّهَ يقولُ لكم: اقضُوا بينى وبيَن كَرْمِى، ألم أخترْ له البلادَ، وطيَّبتُ له المَدَرَةَ، وحظَرتُه بالسياجِ، وعرَّشتُه السويقَ والشوكَ والسياجَ والعَوْسَجَ (٥)، وأحطتُه برِدائي، ومنَعْتُه مِن العالمِ وفضَّلتُه؟ فلقِينى بالشوكِ والجذوعِ، وكلِّ شجرةٍ لا تُؤكَلُ، ما لهذا اخترتُ البلدةَ، ولا طيَّبتُ المَدَرَةَ، ولا حظَرتُه بالسِّياجِ، ولا عرَّشتُه السويقَ، ولا حُطْتُه برِدائى، ولا منَعتُه مِن العالمِ، فضَّلتُكم وأتمَمتُ عليكم نعمتى، ثم استقبَلتمونى بكلٍّ


(١) أخرجه المصنف في تاريخه ١/ ٥٩١ - ٥٩٣ سندًا ومتنًا.
(٢) في م: "أنه كان".
(٣) في م: "سلبت". وفى ت:١ "شيت". ولست أدرى وجه الصواب في كل ذلك، فقد يكون من السبِّ، وهو اللعن، كما أثبتناه من بقية النسخ، وقد يكون من الشين (شينت)، وهو العيب، ويراد به هنا التبغيض. واللَّه أعلم.
(٤) بعده في م: "ليقتلوه".
(٥) العوسج: شجر من شجر الشوك، وله ثمر أحمر مدوّر كأنه خرز العقيق وهو شجر كثير الشوك. التاج (ع س ج).