نَفسه على صور مُخْتَلفَة من جُمْلَتهَا صورته الَّتِي هِيَ صورته لتَكون صورته المباينة لصورة الْآدَمِيّين آيَة لَهُ فِي صدق مَا ادَّعَاهُ أَنه مُرْسل بِالْوَحْي إِلَى النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -، وَيكون مَا عدا هَذِه الصُّورَة الَّتِي هِيَ صورته تقريرا عِنْده لإتيانه إِلَيْهِ فِي صور مُخْتَلفَة حَتَّى كَانَ أَكثر مَا كَانَ يرَاهُ فِي صُورَة دحْيَة الْكَلْبِيّ، وَفِيمَا تَأَول عبد الله بن مَسْعُود وَعَائِشَة فِي قَوْله:{ثمَّ دنا فَتَدَلَّى} بَيَان أَن جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام ترَاءى للنَّبِي - صلى الله عليه وسلم - بَين السَّمَاء وَالْأَرْض فِي صورته الَّتِي عَلَيْهَا خلق، وَأَن نظر النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - إِلَيْهِ حِين دنا مِنْهُ متدليا حَتَّى كَانَ قرب الْمجْلس مِنْهُ قاب قوسين أَو أدنى، وَأَنه لم يلاقه فِي هَذِه الْحَالة بل جلس منتبذا عَنهُ على سَبِيل التَّعْظِيم لَهُ، كالجالس منا إِلَى سُلْطَانه وَملكه مباينا لَهُ متباعدا عَنهُ، فَفعل جِبْرِيل ذَلِك بِهِ - صلى الله عليه وسلم - مُعظما لَهُ، ثمَّ عرفه حَقِيقَة مَا كَانَ ناجاه بِهِ، فتقرر بِهَذَا عِنْد رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - أَنه ملك وَهُوَ رَسُول الله أَتَاهُ بِالْوَحْي من قبل الله، وَلم يكن التدلي والدنو فِي أول ترائيه لَهُ بل كَانَ ذَلِك بعد الأول ليَكُون التَّعْرِيف على تدريج، إِذْ فِي الْمُنَاجَاة كَونه غير مَأْمُون من دهشة تلْحقهُ فَجرى الْأَمر فِيهِ على الْمَعْقُول من الْأَمر الْجَمِيل.
وَأما غط جِبْرِيل لَهُ - صلى الله عليه وسلم - أغير مرّة وَقَوله لَهُ: اقْرَأ، فَيَقُول: مَا أَنا بقارئ، فَيحْتَمل أَن يكون مِنْهُ على وَجه التَّقْرِير لَهُ لما كَانَ عَلَيْهِ من الأمية، فقرره بذلك ثمَّ أقرأه كَمَا قرر الله مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام بالعصا حِين