أَلفه من عاداته، إِلَّا بالرياضة البليغة، والمعالجة الشَّدِيدَة، فلطف الله سُبْحَانَهُ لنَبيه - صلى الله عليه وسلم - فِي بادئه أمره فحبب إِلَيْهِ الْخلْوَة وقطعه عَن مُخَالطَة الْبشر ليتناسى المألوف من عاداتهم، وَيسْتَمر على هجران مَا لَا يحمد من أَخْلَاقهم وألزمه شعار التَّقْوَى، وأقامه مقَام التَّعَبُّد بَين يَدَيْهِ ليخشع قلبه وتلين عريكته لوُرُود الْوَحْي فيجد مِنْهُ مرَادا سهلا، وَلَا يصادفه حزنا وعرا - قَالَ -: وعَلى هَذَا الْمَعْنى كَانَ وَالله أعلم مُطَالبَة الْملك إِيَّاه بِالْقِرَاءَةِ ومعالجته إِيَّاه بالغط وَشدَّة الضغط، فَإِن الْآدَمِيّ إِذا بلغ مِنْهُ هَذَا الْمبلغ فِي أَمر سمح بِهِ إِن كَانَ فِي وَسعه، وتكلف بعض مَا حمل مِنْهُ إِن لم يكن ذَلِك من طبعه، فَجعلت هَذِه الْأَسْبَاب مُقَدمَات لما أرصد لَهُ من الشَّأْن ليرتاض بهَا ويستعد لما ندب لَهُ مِنْهُ، ثمَّ جَاءَهُ التَّوْفِيق والتيسير، وأمد بِالْقُوَّةِ الإلهية، فجبرت مِنْهُ النقائص البشرية، وجمعت لَهُ الْفَضَائِل النَّبَوِيَّة - صلى الله عليه وسلم - كثيرا.
وَقَالَ غَيره: وَمن فَوَائِد خلوه بِنَفسِهِ مَا ألهمه الله سُبْحَانَهُ قبل ظُهُور الْملك لَهُ ومخاطبته لما أَرَادَهُ الله مِنْهُ من صدوفه عَن معبودات قُرَيْش يَوْمئِذٍ، وعزوف نَفسه الْكَرِيمَة عَن قرب الْأَصْنَام.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute