للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بخلاف البضع فإنه مصون عن الابتذال ملحق بالنفوس، فيجوز أن يشترط في النكاح زيادة شرط؛ لإظهار خطر المحل، والذي قال: القدر أي المساواة علة للخلاص.

قلنا: لا كذلك فقد بينا أن جواز البيع في هذه الأموال أصل، فحيث يفسد إنما يفسد لوجود العلة المفسدة، فأما (١) الجواز باعتبار الأصل لا باعتبار المخلص، وإن كان هذا مخلصًا فهو مخلص في حالة التساوي، وعلة الربا في حالة الفضل، والشيء الواحد يتضمن حكمين في محلين كالنكاح يثبت الحل في المنكوحة والحرمة في أمها، وإنما جعلنا القدر مخلصًا؛ لأن الخلاص عن الربا بالمساواة في القدر، وذلك لا يعرف إلا بالكيل والوزن، وكذلك (٢) الوقوع في الربا بالفضل على القدر، وذلك لا يعرف إلا بالكيل والوزن، وإنما قلنا أن الجواز أصل في الأموال الربوية؛ لأن النبي -عليه السلام- قال: «الحنطة بالحنطة مثل بمثل» (٣)، فقد أوجب المماثلة لجواز، العقد ثم جعل الفضل بعد تلك المماثلة ربا بقوله: والفضل ربا.

وفي الحديث الآخر قال: «لا تبيعوا البر بالبر إلا سواء بسواء» (٤)، وبالإجماع المراد المساواة في الكيل، فعرفنا أن المراد اشتراط المماثلة لجواز العقد؛ لأن الكلام المقيد بالاستثناء يصير عبارة عما وراء المستثنى، فيكون المعنى فساد البيع عند عدم المماثلة التي هي واجبة، وإذا ثبت أن الحكم وجوب (٥) المماثلة، ولا يتصور ثبوت الحكم بدون محله عرفنا أن المحل الذي لا يقبل المماثلة لا يكون مال الربا أصلًا، والحفنة (٦) والنفاحة لا تقبل هذه المماثلة بالاتفاق، فلم يكن مال الربا فكانت باقية تحت قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} (٧)، فيحل بيعها وإن تفاضلا، هذا على طريق التغليب (٨)، فإن المراد منه فإن فضل أحدهما على الآخر، ثم لما ذكر جواز البيع في المكيل والموزون عند المماثلة بالمعيار الشرعي، وعدم الجواز عند التفاضل، أي عند فضل أحدهما على الآخر عند التسوية بالمعيار الشرعي لزم (٩) الجواز فيما لا يدخل تحت المعيار الشرعي سواء كان ذلك في المكيل أو في الموزون، فلذلك قلنا بجواز بيع الحفنة بالحفنتين، وجواز بيع ذرة بذرة في الذهب والفضة.


(١) في (ت): وأما.
(٢) في (ت): فلذلك.
(٣) أخرجه مسلم في كتاب المساقاة - باب الصرف وبيع الذهب بالورق نقدًا (١٥٨٨).
(٤) أخرجه مسلم في كتاب المساقاة - باب الصرف وبيع الذهب بالورق نقدًا (١٥٨٧)، من حديث عبادة رضي الله عنه.
(٥) في (ت): وجود.
(٦) الحَفْنَةُ: ملء الكفين من طعام. الصحاح تاج اللغة (٥/ ٢١٠٢).
(٧) [البقرة: ٢٧٥].
(٨) في (ت): الفضل.
(٩) في (ت): لزمنا.