(الْفَصْلُ الثَّانِي)
٢١٩٨ - عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: «جَلَسْتُ فِي عِصَابَةٍ مِنْ ضُعَفَاءِ الْمُهَاجِرِينَ وَإِنَّ بَعْضَهُمْ لِيَسْتَتِرُ بِبَعْضٍ مِنَ الْعُرْيِ وَقَارِئٌ يَقْرَأُ عَلَيْنَا إِذْ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَامَ عَلَيْنَا، فَلَمَّا قَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَكَتَ الْقَارِئُ، فَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ: " مَا كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ؟ " قُلْنَا: كُنَّا نَسْتَمِعُ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ، فَقَالَ: " الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ أُمِرْتُ أَنْ أَصْبِرَ نَفْسِي مَعَهُمْ " قَالَ: فَجَلَسَ وَسَطَنَا لِيَعْدِلَ بِنَفْسِهِ فِينَا، ثُمَّ قَالَ بِيَدِهِ هَكَذَا فَتَحَلَّقُوا، وَبَرَزَتْ وُجُوهُهُمْ لَهُ فَقَالَ: " أَبْشِرُوا يَا مَعْشَرَ صَعَالِيكِ الْمُهَاجِرِينَ بِالنُّورِ التَّامِّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ قَبْلَ أَغْنِيَاءِ النَّاسِ بِنِصْفِ يَوْمٍ، وَذَلِكَ خَمْسُمِائَةِ سَنَةٍ» ) . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
ــ
٢١٩٨ - (عَنْ أَبَى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: جَلَسْتُ فِي عِصَابَةٍ) بِالْكَسْرِ، أَيْ جَمَاعَةٌ (مِنْ ضُعَفَاءِ الْمُهَاجِرِينَ) يَعْنِي أَصْحَابَ الصُّفَّةِ (وَإِنَّ بَعْضَهُمْ لِيَسْتَتِرُ بِبَعْضٍ مِنَ الْعُرْيِ) ، أَيْ مِنْ أَجْلِهِ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَسُكُونِ الرَّاءِ، أَيْ مَنْ كَانَ ثَوْبُهُ أَقَلَّ مِنْ ثَوْبِ صَاحِبِهِ كَانَ يَجْلِسُ خَلْفَ صَاحِبِهِ تَسَتُّرًا بِهِ، وَالْجُمْلَةُ حَالِيَّةٌ، وَالْمُرَادُ الْعُرْيِ مِمَّاعَدَا الْعَوْرَةَ فَالتَّسَتُّرُ لِمَكَانِ الْمُرُوءَةِ لَا تَسْمَحُ بِانْكِشَافِ مَا لَا يُعْتَادُ كَشْفُهُ (وَقَارِئٌ يَقْرَأُ عَلَيْنَا) حَالٌ أَيْضًا لِنَسْتَمِعْ وَنَتَعَلَّمْ (إِذْ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) إِذْ لِلْمُفَاجَأَةِ (فَقَامَ) ، أَيْ وَقَفَ (عَلَيْنَا) ، أَيْ عَلَى رُءُوسِنَا، أَيْ كُنَّا غَافِلِينَ عَنْ مَجِيئِهِ فَنَظَرنَا فَإِذَا هُوَ قَائِمٌ فَوْقَ رُءُوسِنَا يَسْتَمِعُ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ (فَلَمَّا قَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَكَتَ الْقَارِئُ) ، أَيْ تَأَدُّبًا لِحُضُورِهِ وَانْتِظَارًا لِمَا يَقَعُ مِنْ أُمُورِهِ (فَسَلَّمَ) ، أَيِ الرَّسُولُ (ثُمَّ قَالَ) النَّبِيُّ (مَا كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ؟) إِنَّمَا سَأَلَهُمْ مَعَ عِلْمِهِ بِهِمْ لِيُجِيبَهُمْ بِمَا أَجَابَهُمْ مُرَتَّبًا عَلَى حَالِهِمْ وَكَمَالِهِمْ (قُلْنَا: نَسْتَمِعُ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ) ، أَيْ إِلَى قِرَاءَتِهِ أَوْ إِلَى قَارِئِهِ (فَقَالَ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ أُمِرْتُ أَنْ أَصْبِرَ نَفْسِيَ مَعَهُمْ» ) ، أَيْ جُعِلَ مِنْ جُمْلَةِ زُمْرَةِ الْفُقَرَاءِ الْمُلَازِمِينَ لِكِتَابِ اللَّهِ الْمُخْلِصِينَ الْمُتَوَكِّلِينَ عَلَى اللَّهِ مُقَرَّبِينَ عِنْدَ اللَّهِ بِحَيْثُ أَمَرَنِي بِالصَّبْرِ مَعَهُمْ فِي قَوْلِهِ - عَزَّ وَجَلَّ - {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} [الكهف: ٢٨] شُكْرًا لِصَنِيعِهِمْ وَرَدًّا عَلَى الْكُفَّارِ حَيْثُ قَالُوا: اطْرُدْ هَؤُلَاءِ الْفُقَرَاءِ عَنْكَ حَتَّى نُجَالِسَكَ وَنُؤْمِنَ بِكَ، وَقَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ: فَمِلْتُ إِلَى مَا قَالُوا مَرْدُودٌ لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ هَذَا إِلَّا مِنْ قِبَلِهِ، وَلَمْ يَرِدْ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَلْ لَوْ وَرَدَ لَكُنَّا نَحْمِلُ عَلَى أَنِّي قَارَبْتُ أَنْ أَمِيلَ إِلَيْهِمْ، وَلَا يَدُلُّ عَلَى مَا قَالَهُ قَوْلُهُ " وَاصْبِرْ " لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الدَّوَامُ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ مِنْ كَمَالِ الصَّبْرِ كَمَا قِيلَ فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى - {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ} [الأحزاب: ١] (قَالَ) ، أَيِ الرِّوَايَ (فَجَلَسَ) ، أَيِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وَسْطَنَا) بِسُكُونِ السِّينِ وَقَدْ يُفْتَحُ، أَيْ بَيْنَنَا لَا بِجَنْبِ أَحَدٍ مِنَّا (لِيَعْدِلَ بِنَفْسَهُ فِينَا) ، أَيْ يَكُونُ عَادِلًا بِإِجْلَاسِ نَفْسِهِ الْأَنْفُسَ فِينَا عَلَى وَجْهِ التَّسْوِيَةِ بِالْقُرْبِ إِلَى كُلٍّ مِنَّا، وَقَالَ الطِّيبِيُّ: لِيَجْعَلَ نَفْسَهُ عَدِيلًا، وَزَادَ بَعْضُهُمْ: بِجُلُوسِهِ فِينَا تَوَاضُعًا وَرَغْبَةً فِيمَا نَحْنُ فِيهِ (ثُمَّ قَالَ) ، أَيْ أَشَارَ (بِيَدِهِ هَكَذَا) أَيِ اجْلِسُوا حِلَقًا (فَتَحَلَّقُوا) ، أَيْ قُبَالَةَ وَجْهِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (وَبَرَزَتْ) ، أَيْ ظَهَرَتْ (وُجُوهُهُمْ) لَهُ بِحَيْثُ يَرَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَجْهَ أَحَدٍ مِنْهُمُ امْتِثَالًا لِقَوْلِهِ - تَعَالَى - {وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ} [الكهف: ٢٨] أَيْ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: أَيْ مُمِيلًا لِسَاعِدِهَا وَكُوعِهَا حَتَّى تَصِيرَ مُعْوَجَّةً عَلَى هَيْئَةِ الْحَلْقَةِ اهـ وَهُوَ مُحْتَاجٌ إِلَى دَلِيلٍ مَعَ أَنَّهُ مُسْتَغْنًى عَنْهُ (فَقَالَ: أَبْشِرُوا) أَيِ افْرَحُوا (يَا مَعْشَرَ صَعَالِيكِ الْمُهَاجِرِينَ) ، أَيْ جَمَاعَةُ الْفُقَرَاءِ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ جَمْعِ صُعْلُوكٍ (بِالنُّورِ التَّامِّ) ، أَيِ الْكَامِلِ (يَوْمَ الْقِيَامَةِ) وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ نُورَ الْأَغْنِيَاءِ لَا يَكُونُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute