وَأَخَفُ (عَلَيْكُمْ مِنْ هَذَا) أَيْ: مِنْ هَذَا الْجَمْعِ وَالتَّعْدَادِ (أَوْ أَفْضَلُ؟) قِيلَ " أَوْ " لِلشَّكِّ مِنْ سَعْدٍ أَوْ مِمَّنْ دُونَهُ، وَقِيلَ: بِمَعْنَى الْوَاوِ، وَقِيلَ بِمَعْنَى (بَلْ) وَهُوَ الْأَظْهَرُ. قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ تَبَعًا لِلطِّيبِيِّ: وَإِنَّمَا كَانَ أَفْضَلَ لِأَنَّهُ اعْتِرَافٌ بِالْقُصُورِ، وَأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ أَنْ يُحْصِيَ ثَنَاءَهُ، وَفِي الْعَدِّ بِالنَّوَى إِقْدَامٌ عَلَى أَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى الْإِحْصَاءِ. اهـ. وَفِيهِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنَ الْعَدِّ هَذَا الْإِقْدَامُ، وَلَا يَقْدُمُ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى إِلَّا الْعَوَامُّ كَالْأَنْعَامِ، بَلِ الْمُرَادُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ أَرَادَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَرَقِّيَهَا مِنْ عَالَمِ كَثْرَةِ الْأَلْفَاظِ وَالْمَبَانِي إِلَى وَحْدَةِ الْحَقَائِقِ وَالْمَعَانِي، وَهُوَ خَارِجٌ عَنِ الْأَعْدَادِ، بَلْ يَتَوَقَّفُ عَلَى مَدَدِ الْأَمْدَادِ، أَوِ الْعَدُّ فِي الْأَذْكَارِ يَجْعَلُ شَأْنًا لَهَا فِي الْبَالِ، وَيَخْطُرُ بِالْبَالِ فِي كُلِّ حَالٍ، هَذَا مُعَابٌ عِنْدَ أَرْبَابِ الْكَمَالِ، وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُهُمْ لِمَنْ يَذْكُرُ اللَّهَ بِالْعَدَدِ: تَذْكُرُ اللَّهَ بِالْحِسَابِ، وَتُذْنِبُ بِالْجُزَافِ وَتَعْصِيهِ بِلَا كِتَابٍ، أَوْ لِأَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - لَمَّا أَنْعَمَ عَلَى عَبْدِهِ بِالنِّعْمَةِ بِلَا إِحْصَاءٍ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا} [إبراهيم: ٣٤] فَيَنْبَغِي حُسْنُ الْمُقَابَلَةِ فِي الْمُعَامَلَةِ عَلَى وَجْهِ الْمُمَاثَلَةِ أَنْ يَذْكُرَهُ السَّالِكُ بِغَيْرِ اسْتِقْصَاءٍ، أَوْ فِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى مَقَامِ الْمُكَاشَفَةِ بِتَسْبِيحِ جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} [الإسراء: ٤٤] وَقَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ: {يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} [الجمعة: ١] . (سُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ مَا خَلَقَ) : فِيهِ تَغْلِيبٌ لِكَثْرَةِ غَيْرِ ذَوِي الْعُقُولِ الْمَلْحُوظَةِ فِي الْمَقَامِ (فِي السَّمَاءِ) أَيْ: فِي عَالَمِ الْعُلْوِيَّاتِ جَمِيعِهَا (وَسُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ مَا خَلَقَ فِي الْأَرْضِ) أَيْ: فِي عَالَمِ السُّفْلِيَّاتِ كُلِّهَا، كَذَا قِيلَ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِمَا السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ الْمَعْهُودَتَانِ لِقَوْلِهِ: (وَسُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ مَا بَيْنَ ذَلِكَ) أَيْ: مَا بَيْنَ مَا ذَكَرَ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَالْهَوَاءِ وَالْمَطَرِ وَالسَّحَابِ وَغَيْرِهَا، (وَسُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ مَا هُوَ خَالِقٌ) أَيْ: خَالِقُهُ أَوْ خَالِقٌ لَهُ فِيمَا بَعْدَ ذَلِكَ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَجَرٍ وَهُوَ أَظْهَرُ، لَكِنَّ الْأَدَقَّ الْأَخْفَى مَا قَالَ الطِّيبِيُّ أَيْ: مَا هُوَ خَالِقٌ لَهُ مِنَ الْأَزَلِ إِلَى الْأَبَدِ وَالْمُرَادُ الِاسْتِمْرَارُ فَهُوَ إِجْمَالٌ بَعْدَ التَّفْصِيلِ، لِأَنَّ اسْمَ الْفَاعِلِ إِذَا أُسْنِدَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى يُفِيدُ الِاسْتِمْرَارَ مِنْ بَدْءِ الْخَلْقِ إِلَى الْأَبَدِ، كَمَا تَقُولُ: اللَّهُ قَادِرٌ عَالِمٌ. فَلَا تَقْصِدُ زَمَانًا دُونَ زَمَانٍ (وَاللَّهُ أَكْبَرُ مِثْلَ ذَلِكَ) : قَالَ الطِّيبِيُّ: مَنْصُوبٌ نَصْبَ عَدَدٍ فِي الْقَرَائِنِ السَّابِقَةِ عَلَى الْمَصْدَرِ، وَقَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ بِنَصْبِ مِثْلَ، أَيِ: اللَّهُ أَكْبَرُ عَدَدَ مَا هُوَ خَالِقُهُ أَيْ بِعَدَدِهِ، فَجَعَلَ مَرْجِعَ الْإِشَارَةِ أَقْرَبَ مَا ذُكِرَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُشَارَ إِلَيْهِ جَمِيعُ مَا ذُكِرَ فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ اللَّهُ أَكْبَرُ عَدَدَ مَا خَلَقَ فِي السَّمَاءِ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ عَدَدَ مَا خَلَقَ فِي الْأَرْضِ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ عَدَدَ مَا بَيْنَ ذَلِكَ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ عَدَدَ مَا هُوَ خَالِقٌ (وَالْحَمْدُ لِلَّهِ مِثْلَ ذَلِكَ) أَيْ: عَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ (وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مِثْلَ ذَلِكَ) أَيْ: عَلَى هَذَا الْحَالِ (وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ مِثْلَ ذَلِكَ) أَيْ: كَذَلِكَ. وَالْأَظْهَرُ أَنَّ هَذَا مِنِ اخْتِصَارِ الرَّاوِي، فَنَقَلَ آخِرَ الْحَدِيثِ بِالْمَعْنَى خَشْيَةً لِلْمَلَالِهِ بِالْإِطَالَةِ، وَيَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَا بَعْضُ الْآثَارِ أَيْضًا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ) وَكَذَا النَّسَائِيُّ، وَابْنُ حِبَّانَ، وَالْحَاكِمُ (وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) : وَفِي نُسْخَةٍ. حَسَنٌ غَرِيبٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute