يَكُونَ الْحَدِيثُ مِنْ بَابِ إِلْحَاقِ النَّاقِصِ بِالْكَامِلِ مُبَالَغَةً فِي التَّرْغِيبِ، أَوْ يُرَادُ التَّسَاوِي بَيْنَ التَّسْبِيحِ الْمُضَاعَفِ بِالْحِجَجِ الْغَيْرِ مُضَاعَفَةٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (وَمَنْ حَمِدَ اللَّهَ مِائَةً بِالْغَدَاةِ وَمِائَةً بِالْعَشِيِّ كَانَ كَمَنْ حَمَلَ) : بِالتَّخْفِيفِ أَيْ: رَكَّبَ مِائَةَ نَفْسٍ (عَلَى مِائَةِ فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) أَيْ: فِي نَحْوِ الْجِهَادِ إِمَّا صَدَقَةٌ أَوْ عَارِيَةٌ، وَفِيهِ تَرْغِيبٌ لِلذَّاكِرِ فِي الذِّكْرِ لِئَلَّا يَلْتَفِتَ إِلَى الدُّنْيَا، وَيَجْمَعَ هِمَّتَهُ عَلَى الْحُضُورِ مَعَ الْمَوْلَى، إِذِ الْمَقْصُودُ مِنْ جَمِيعِ الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ وَالْمَالِيَّةِ، وَالْمُرَكَّبِ مِنْهَا إِنَّمَا هُوَ ذِكْرُ اللَّهِ لَا غَيْرُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمَطْلُوبَ أَحْسَنُ مِنَ الْوَسِيلَةِ. (وَمَنْ هَلَّلَ اللَّهَ) أَيْ: قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ (مِائَةً بِالْغَدَاةِ وَمِائَةً بِالْعَشِيِّ ; كَانَ كَمَنْ أَعْتَقَ مِائَةَ رَقَبَةٍ) : وَفِيهِ تَسْلِيَةٌ لِلذَّاكِرِينَ مِنَ الْفُقَرَاءِ الْعَاجِزِينَ عَنِ الْعِبَادَاتِ الْمَالِيَّةِ الْمُخْتَصَّةِ بِهَا الْأَغْنِيَاءُ، (مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ) : بِضَمِّ الْوَاوِ وَسُكُونِ اللَّامِ وَبِفَتْحِهِمَا، يَقَعُ عَلَى الْوَاحِدِ وَالتَّثْنِيَةِ وَالْجَمْعِ، وَالْمُرَادُ مِنْ أَوْلَادِ إِسْمَاعِيلَ الْعَرَبِ، لِأَنَّهُمْ أَفْضَلُ الْأَصْنَافِ لِكَوْنِهِمْ مِنْ أَقَارِبِ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ تَتْمِيمٌ وَمُبَالَغَةٌ فِي مَعْنَى الْعِتْقِ. (وَمِنْ كَبَّرَ اللَّهَ مِائَةً بِالْغَدَاةِ وَمِائَةً بِالْعَشِيِّ لَمْ يَأْتِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ أَحَدٌ) أَيْ: يَوْمَ الْقِيَامَةِ (بِأَكْثَرَ) أَيْ: بِثَوَابٍ أَكْثَرَ، أَوِ الْمُرَادُ بِعَمَلٍ أَفْضَلَ، وَإِنَّمَا عَبَّرَ بِأَكْثَرَ لِأَنَّهُ مَعْنَى أَفْضَلَ (مِمَّا أَتَى بِهِ) أَيْ: جَاءَ بِهِ أَوْ بِمِثْلِهِ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: ظَاهِرُهُ أَنَّ هَذَا أَفْضَلُ مِنْ جَمِيعِ مَا قَبْلَهُ، وَالَّذِي دَلَّتِ عَلَيْهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الْكَثِيرَةُ أَنَّ أَفْضَلَ هَذَا: التَّهْلِيلُ فَالتَّحْمِيدُ فَالتَّكْبِيرُ فَالتَّسْبِيحُ، فَحِينَئِذٍ يُئَوَّلُ بِأَنْ يُقَالَ: لَمْ يَأْتِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ أَحَدٌ غَيْرُ الْمُهَلِّلِ وَالْحَامِدِ الْمَذْكُورَيْنِ بِأَكْثَرَ مِمَّا أَتَى بِهِ. (إِلَّا مَنْ قَالَ مِثْلَ ذَلِكَ أَوْ زَادَ عَلَى مَا يُقَالُ ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute