٢٤٣٥ - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا وَدَّعَ رَجُلًا أَخَذَ بِيَدِهِ فَلَا يَدَعُهَا حَتَّى يَكُونَ الرَّجُلُ هُوَ يَدَعُ يَدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَقُولُ: (أَسْتَوْدِعُ اللَّهَ دِينَكَ وَأَمَانَتَكَ وَآخِرَ عَمَلِكَ) » . وَفِي رِوَايَةٍ: " وَخَوَاتِيمَ عَمَلِكَ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ وَفِي رِوَايَتِهِمَا لَمْ يُذْكَرْ وَآخِرَ عَمَلِكَ.
ــ
٢٤٣٥ - (وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا وَدَّعَ رَجُلًا) أَيْ: مُسَافِرًا، وَقَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ لِإِرَادَتِهِ السَّفَرَ مُوَهَمٌ غَيْرُ صَحِيحٍ فِي الْمَقْصُودِ (أَخَذَ بِيَدِهِ فَلَا يَدَعُهَا) أَيْ: فَلَا يَتْرُكُ يَدَ ذَلِكَ الرَّجُلِ مِنْ غَايَةِ التَّوَاضُعِ وَغَايَةِ إِظْهَارِ الْمَحَبَّةِ وَالرَّحْمَةِ (حَتَّى يَكُونَ الرَّجُلُ هُوَ الَّذِي يَدَعُ يَدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) وَفِيهِ كَمَالُ الِاسْتِسْلَامِ وَالْخُلُقِ الْحَسَنِ مَعَ الْأَنَامِ (وَيَقُولُ) أَيْ: لِلْمُوَدَّعِ (أَسْتَوْدِعُ اللَّهَ دِينَكَ) أَيْ: أَسْتَحْفِظُ وَأَطْلُبُ مِنْهُ حِفْظَ دِينِكَ، وَالدِّينُ شَامِلٌ لِلْإِيمَانِ وَالِاسْتِسْلَامِ وَتَوَابِعِهِمَا، فَإِلْقَاؤُهُ عَلَى حَالِهِ أَوْلَى مِنْ تَفْسِيرِهِ بِالْإِيمَانِ لِأَنَّ السَّفَرَ لِمَشَقَّتِهِ وَخَوْفِهِ قَدْ يَصِيرُ سَبَبًا لِإِهْمَالِ بَعْضِ أُمُورِ الدِّينِ (وَأَمَانَتَكَ) أَيْ: حِفْظَ أَمَانَتِكَ فِيمَا تُزَاوِلُهُ مِنَ الْأَخْذِ وَالْإِعْطَاءِ وَمُعَاشَرَةِ النَّاسِ فِي السَّفَرِ إِذْ قَدْ يَقَعُ مِنْهُ هُنَاكَ خِيَانَةٌ، وَقِيلَ: أُرِيدَ بِالْأَمَانَةِ الْأَهْلُ وَالْأَوْلَادُ الَّذِينَ خَلَفَهُمْ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْأَمَانَةِ التَّكَالِيفُ كُلُّهَا كَمَا فُسِّرَ بِهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} [الأحزاب: ٧٢] الْآيَةَ (وَآخِرَ عَمَلِكَ) أَيْ: فِي سَفَرِكَ، أَوْ مُطْلَقًا كَذَا قِيلَ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ حُسْنُ الْخَاتِمَةِ لِأَنَّ الْمَدَارَ عَلَيْهَا فِي أَمْرِ الْآخِرَةِ وَأَنَّ التَّقْصِيرَ فِيمَا قَبْلَهَا مَجْبُورٌ بِحُسْنِهَا وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ: (وَفِي رِوَايَةٍ وَخَوَاتِيمَ عَمَلِكَ) وَهُوَ جَمْعُ خَاتَمٍ أَيْ: مَا يُخْتَمُ بِهِ عَمَلُكَ أَيْ: أَخِيرَهُ، وَالْجَمْعُ لِإِفَادَةِ عُمُومِ أَعْمَالِهِ، قَالَ الطِّيبِيُّ: قَوْلُهُ أَسْتَوْدِعُ اللَّهَ هُوَ طَلَبُ حِفْظِ الْوَدِيعَةِ وَفِيهِ نَوْعُ مُشَاكَلَةٍ لِلتَّوْدِيعِ وَجَعَلَ دِينَهُ وَأَمَانَتَهُ مِنَ الْوَدَائِعِ لِأَنَّ السَّفَرَ يُصِيبُ الْإِنْسَانَ فِيهِ الْمَشَقَّةُ وَالْخَوْفُ فَيَكُونُ ذَلِكَ سَبَبًا لِإِهْمَالِ بَعْضِ أُمُورِ الدِّينِ فَدَعَا لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمَعُونَةِ وَالتَّوْفِيقِ، وَلَا يَخْلُو الرَّجُلُ فِي سَفَرِهِ ذَلِكَ مِنَ الِاشْتِغَالِ بِمَا يَحْتَاجُ فِيهِ إِلَى الْأَخْذِ وَالْإِعْطَاءِ وَالْمُعَاشَرَةِ مَعَ النَّاسِ ; فَدَعَا لَهُ بِحِفْظِ الْأَمَانَةِ وَالِاجْتِنَابِ عَنِ الْخِيَانَةِ، ثُمَّ إِذَا انْقَلَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَكُونُ مَأْمُونَ الْعَاقِبَةِ عَمَّا يَسُوءُهُ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ) وَكَذَا النَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ وَابْنُ حِبَّانَ (وَفِي رِوَايَتِهِمَا) أَيْ: أَبِي دَاوُدَ وَابْنِ مَاجَهْ (لَمْ يُذْكَرْ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (وَآخِرَ عَمَلِكَ) أَيْ: بَلْ ذَكَرَ وَخَوَاتِيمَ عَمَلِكَ عَلَى مَا يُفْهَمُ مِنَ الْحِصْنِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute