للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

إِلَى الْفَاعِلِ وَإِلَى الْمَفْعُولِ وَالْأَوَّلُ أَبْلَغُ وَهُوَ الْأَصْلُ مَعَ أَنَّهُمَا مُتَلَازِمَانِ قَالَ تَعَالَى: " {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة: ٥٤] "، وَالثَّانِي أَظْهَرُ لِأَنَّ الْأَوَّلَ أَزَلِيٌّ وَلَا يَتَعَلَّقُ الدُّعَاءُ إِلَّا بِالْحَادِثِ وَلِمُنَاسَبَةِ قَوْلِهِ (وَحُبَّ مَنْ يَنْفَعُنِي حُبُّهُ عِنْدَكَ) عَلَى مَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْهُ وَالظَّرْفُ مُتَعَلِّقٌ بِيَنْفَعُنِي، وَكَلَامُ ابْنِ حَجَرٍ وَهُوَ: مَنْ يَتَقَرَّبُ إِلَيْكَ بِحُبِّهِ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ إِلَيْكَ مُوهِمٌ فَتَأَمَّلْهُ، (اللَّهُمَّ مَا رَزَقْتَنِي) وَلَفْظُ الْحِصْنِ كَمَا رَزَقْتَنِي، (مِمَّا أُحِبُّ) أَيِ الَّذِي أَعْطَيْتَنِي مِنَ الْأَشْيَاءِ الَّتِي أُحِبُّهَا مِنْ صِحَّةِ الْبَدَنِ وَقُوَّتِهِ وَأَمْتِعَةِ الدُّنْيَا مِنَ الْمَالِ وَالْجَاهِ وَالْأَوْلَادِ وَالْأُمْنِيَةِ وَالْفَرَاغِ، (فَاجْعَلْهُ قُوَّةً) أَيْ عُدَّةً، (لِي فِيمَا تُحِبُّ) بِأَنْ أَصْرِفَهُ فِيمَا تُحِبُّهُ وَتَرْضَاهُ مِنَ الطَّاعَةِ وَالْعِبَادَةِ، (اللَّهُمَّ مَا زَوَيْتَ) فِي الْحِصْنِ اللَّهُمَّ وَمَا زَوَيْتَ مِنَ الزَّيِّ بِمَعْنَى الْقَبْضِ وَالْجَمْعِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «اللَّهُمَّ ازْوِ لَنَا الْأَرْضَ وَهَوِّنْ عَلَيْنَا السَّفَرَ» أَيِ اطْوِهَا كَمَا فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى، أَيْ مَا قَبَضْتَهُ وَنَحَّيْتَهُ وَبَعَّدْتَهُ (عَنِّي) بِأَنْ مَنَعْتَنِي وَلَمْ تُعْطِنِي (مِمَّا أُحِبُّ) أَيْ مِمَّا أَشْتَهِيهِ مِنَ الْمَالِ وَالْجَاهِ وَالْأَوْلَادِ وَأَمْثَالِ ذَلِكَ (فَاجْعَلْهُ فَرَاغًا) أَيْ سَبَبَ فَرَاغِ خَاطِرِي (فِيمَا تُحِبُّ) أَيْ مِنَ الذِّكْرِ وَالْفِكْرِ وَالطَّاعَةِ وَالْعِبَادَةِ قَالَ الْقَاضِي: يَعْنِي مَا صَرَفْتَ عَنِّي مِنْ مَحَابِّي فَنَحِّهِ عَنْ قَلْبِي وَاجْعَلْهُ سَبَبًا لِفَرَاغِي لِطَاعَتِكَ وَلَا تَشْغَلْ بِهِ قَلْبِي فَيُشْغَلَ عَنْ عِبَادَتِكَ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ: أَيِ اجْعَلْ مَا نَحَّيْتَهُ عَنِّي مِنْ مَحَابِّي عَوْنًا لِي عَلَى شُغْلِي بِمَحَابِّكَ، وَذَلِكَ أَنَّ الْفَرَاغَ خِلَافُ الشُّغْلِ فَإِذَا زَوَى عَنْهُ الدُّنْيَا لِيَتَفَرَّغَ بِمَحَابِّ رَبِّهِ كَانَ ذَلِكَ الْفَرَاغُ عَوْنًا لَهُ عَلَى الِاشْتِغَالِ بِطَاعَةِ اللَّهِ وَفِي الْحَدِيثِ قَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَجِبْتُ لِمَا زَوَى اللَّهُ عَنْكَ (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ) .

<<  <  ج: ص:  >  >>