للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٢٤٩٢ - (وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: «قَلَّمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُومُ مِنْ مَجْلِسٍ حَتَّى يَدْعُوَ بِهَؤُلَاءِ الدَّعَوَاتِ لِأَصْحَابِهِ اللَّهُمَّ اقْسِمْ لَنَا مِنْ خَشْيَتِكَ مَا تَحُولُ بِهِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَعَاصِيكَ، وَمِنْ طَاعَتِكَ مَا تُبَلِّغُنَا بِهِ جَنَّتَكَ، وَمِنَ الْيَقِينِ مَا تُهَوِّنُ بِهِ عَلَيْنَا مُصِيْبَاتِ الدُّنْيَا، وَمَتِّعْنَا بِأَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارِنَا وَقُوَّتِنَا مَا أَحْيَيْتَنَا، وَاجْعَلْهُ الْوَارِثَ مِنَّا، وَاجْعَلْ ثَأْرَنَا عَلَى مَنْ ظَلَمَنَا، وَانْصُرْنَا عَلَى مَنْ عَادَانَا، وَلَا تَجْعَلْ مُصِيبَتَنَا فِي دِينِنَا، وَلَا تَجْعَلِ الدُّنْيَا أَكْبَرَ هَمِّنَا وَلَا مَبْلَغَ عِلْمِنَا وَلَا تُسَلِّطْ عَلَيْنَا مَنْ لَا يَرْحَمُنَا» ) . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.

ــ

٢٤٩٢ - (وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَلَّمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُومُ مِنْ مَجْلِسٍ حَتَّى يَدْعُوَ بِهَؤُلَاءِ الدَّعَوَاتِ لِأَصْحَابِهِ) أَيْ قَلَّ تَرْكُهُ لَهُمْ (اللَّهُمَّ اقْسِمْ لَنَا) أَيِ اجْعَلْ لَنَا قِسْمًا وَنَصِيبًا (مِنْ خَشْيَتِكَ) وَهُوَ خَوْفٌ مَعَ التَّعْظِيمِ (مَا تَحُولُ بِهِ) أَيْ مِقْدَارًا تَحْجُبُ أَنْتَ بِسَبَبِهِ (بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَعَاصِيكَ) فَإِنَّهُ لَا أَمْنَعَ لَهَا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَمَا فِي الْحَدِيثِ نِعْمَ الْعَبْدُ صُهَيْبٌ لَوْ لَمْ يَخَفِ اللَّهَ لَمْ يَعْصِهِ مُبَالَغَةٌ فِي كَمَالِهِ، بِأَنَّ تَرْكَ عِصْيَانِهِ نَشَأَ عَنِ الْمَحَبَّةِ لَا عَنِ الرَّهْبَةِ مَعَ الْخَشْيَةِ أَخَصُّ مِنَ الْخَوْفِ كَمَا أَشَرْنَا إِلَيْهِ وَفِي نُسْخَةٍ يَحُولُ بِالتَّحْتِيَّةِ، وَتَرَكَ بِهِ أَيْ قَدْرًا يَمْنَعُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهَا مِنْ حَالَ يَحُولُ حَيْلُولَةً، وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ أَيْ بِسَبَبِهِ أَوْ هِيَ بَاءُ الْآلَةِ وَكِلَاهُمَا مَجَازٌ فَغَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي الْحَقِيقَةِ مَعَ أَنَّ إِطْلَاقَ الْآلَةِ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى خَطَأٌ فَاحِشٌ وَأَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَجَازِ ضِدُّ الْحَقِيقَةِ بِاعْتِبَارِ اللُّغَةِ فَقَدْ صَرَّحَ أَرْبَابُهَا بِأَنَّهُمَا حَقِيقَتَانِ فِي مَعْنَيَيْهِمَا فَفِي الْقَامُوسِ الْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ " فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ " " {إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ} [البقرة: ٥٤] " وَلِلِاسْتِعَانَةِ نَحْوَ: كَتَبْتُ بِالْقَلَمِ وَنَجَرْتُ بِالْقُدُومِ وَمِنْهُ بَاءُ الْبَسْمَلَةِ اهـ.

وَفِي إِيرَادِ الْأَمْثِلَةِ الْمَذْكُورَةِ تَنْبِيهٌ وَتَوْجِيهٌ وَجِيهٌ لِمَا قُلْنَا مِنْ صِحَّةِ إِطْلَاقِ السَّبَبِيَّةِ فِي فِعْلِهِ تَعَالَى وَفِي فِعْلِ غَيْرِهِ بِخِلَافِ الْآلَةِ وَالِاسْتِعَانَةِ فَإِنَّهُ مُنَزَّهٌ - عَزَّ وَجَلَّ - عَنْ ذَلِكَ (وَمِنْ طَاعَتِكَ) بِإِعْطَاءِ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا وَالتَّوْفِيقِ لَهَا (مَا تُبَلِّغُنَا) بِالتَّشْدِيدِ أَيْ تَوَصِّلُنَا أَنْتَ (بِهِ جَنَّتَكَ) أَيْ دَرَجَاتِهَا الْعَلِيَّةَ وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ: (مَا) أَيْ نَصِيبًا وَافِرًا يَحْصُلُ لَنَا تُبَلِّغُنَا فَظَاهِرُهُ أَنَّ تُبَلِّغُنَا بِصِيغَةِ الْمَصْدَرِ مِنْ بَابِ التَّفَعُّلِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْخَطَأِ رِوَايَةً وَدِرَايَةً، ثُمَّ قَوْلُهُ بِأَنْ تُدْخِلَنَا مَعَ النَّاجِينَ غَيْرُ مُنَاسِبٍ لِلْمَقَامِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى الْكِرَامِ مِنْ أَرْبَابِ الْفُهُومِ عَلَى الْكَلَامِ، (وَمِنَ الْيَقِينِ) أَيِ الْيَقِينِ بِكَ وَبِأَنْ لَا مَرَدَّ لِقَضَائِكَ وَبِأَنَّهُ لَا يُصِيبُهُ إِلَّا مَا كَتَبْتَهُ عَلَيْنَا وَبِأَنَّ مَا قَدَّرْتَهُ لَا يَخْلُو عَنْ حِكْمَةٍ وَمَصْلَحَةٍ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ مَزِيدِ الْمَثُوبَةِ، (مَا تُهَوِّنُ بِهِ) أَيْ تُسَهِّلُ أَنْتَ بِذَلِكَ الْيَقِينِ، (عَلَيْنَا مُصِيبَاتِ الدُّنْيَا) وَفِي رِوَايَةٍ مَصَائِبَ الدُّنْيَا فَإِنَّ مَنْ عَلِمَ يَقِينًا أَنَّ مُصِيبَاتِ الدُّنْيَا مُثَوَّبَاتُ الْأُخْرَى لَا يَغْتَمُّ بِمَا أَصَابَهُ وَلَا يَحْزَنُ بِمَا نَابَهُ، وَرُويَ مَا يُهَوِّنُ عَلَيْنَا مِنْ غَيْرِ بِهِ فَيَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ يُهَوِّنُ بِالْيَاءِ آخِرَ الْحُرُوفِ وَإِثْبَاتُ بِهِ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ فَوْقُ، (وَمَتِّعْنَا) أَيِ اجْعَلْنَا مُتَمَتِّعِينَ مُنْتَفِعِينَ، (بِأَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارِنَا وَقُوَّتِنَا) بِأَنْ نَسْتَعْمِلَهَا فِي طَاعَتِكَ لِيَكُونَ لَنَا بِهَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>