عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: هُنَّ) : أَيْ: نِسَائِي (حَوْلِي كَمَا تَرَى يَسْأَلْنَنِي النَّفَقَةَ) : أَيْ: زِيَادَتَهَا عَنْ عَادَتِهَا (فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ إِلَى عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا يَجِأُ) : أَيْ: يَدُقُّ (عُنُقَهَا وَقَامَ عُمَرُ إِلَى حَفْصَةَ يَجِأُ عُنُقَهَا كِلَاهُمَا يَقُولُ) : خِطَابًا لِبِنْتِهِ (تَسْأَلِينَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا لَيْسَ عِنْدَهُ فَقُلْنَ) : أَيْ: عِنْدَهُنَّ أَوْ مَا عِنْدِي أَنَّ التَّثْنِيَةَ أَقَلُّ الْجَمْعِ (وَاللَّهِ لَا نَسْأَلُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : أَيْ: بَعْدَ هَذَا (شَيْئًا) : أَيْ: مِنَ الْأَشْيَاءِ (أَبَدًا) : تَأْكِيدُ " أَلَّا نَسْأَلَ " (لَيْسَ عِنْدَهُ) : أَيْ: ذَلِكَ الشَّيْءُ (ثُمَّ اعْتَزَلَهُنَّ شَهْرًا أَوْ تِسْعًا وَعِشْرِينَ) : بِنَاءً عَلَى يَمِينِهِ السَّابِقِ، وَالصَّحِيحُ الثَّانِي وَلَعَلَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ فَتَرَدَّدَ فِيهِ ثُمَّ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ} [الأحزاب: ٢٨] حَتَّى بَلَغَ {لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب: ٢٩] : وَهُوَ {إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا - وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ} [الأحزاب: ٢٨ - ٢٩] إِلَخْ (قَالَ) : أَيْ: جَابِرٌ (فَبَدَأَ) : أَيْ: فِي التَّخْيِيرِ (بِعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا) : فَإِنَّهَا أَعْقَلُهُنَّ وَأَفْضَلُهُنَّ (فَقَالَ: يَا عَائِشَةُ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَعْرِضَ عَلَيْكِ أَمْرًا أُحِبُّ أَنْ لَا تَعْجَلِي فِيهِ) : أَيْ: فِي جَوَابِهِ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِكِ (حَتَّى تَسْتَشِيرِي أَبَوَيْكِ) : خَوْفًا عَلَيْهَا مِنْ صِغَرِ سِنِّهَا الْمُقْتَضِي إِرَادَةَ زِينَةِ الدُّنْيَا أَنْ لَا تَخْتَارَ الْآخِرَةَ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهَا " وَقَدْ عَلِمَ أَنَّ أَبَوِيَّ لَمْ يَكُونَا لَيَأْمُرَانِي بِفِرَاقِهِ " قَالَ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إِنَّمَا قَالَ " لَا تَعْجَلِي " شَفَقَةً عَلَيْهَا وَعَلَى أَبَوَيْهَا، وَنَصِيحَةً لَهُمْ فِي بَقَائِهَا عِنْدَهُ، فَإِنَّهُ خَافَ أَنْ يَحْمِلَهَا صِغَرُ سَنِّهَا وَقِلَّةُ تَجَارِبِهَا عَلَى اخْتِيَارِ الْفِرَاقِ، فَتَتَضَرَّرَ هِيَ وَأَبَوَاهَا وَبَاقِي النِّسْوَةِ بِالِاقْتِدَاءِ بِهَا. (قَالَتْ: وَمَا هُوَ) : أَيْ: ذَلِكَ الْأَمْرُ (يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَتَلَا عَلَيْهَا الْآيَةَ) : أَيِ: الْمَذْكُورَةَ (قَالَتْ: أَفِيكَ) : أَيْ: فِي فِرَاقِكَ أَوْ فِي وِصَالِكَ أَوْ فِي حَقِّكَ (يَا رَسُولَ اللَّهِ اسْتَشِيرُ أَبَوِيَّ) : لِأَنَّ الِاسْتِشَارَةَ فَرْعُ التَّرَدُّدِ فِي الْقَضِيَّةِ الْمُخْتَارَةِ (بَلْ) : أَيْ: لَا أَسْتَشِيرُ أَحَدًا (أَخْتَارُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ) : وَفِي الْكَلَامِ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ إِرَادَةَ زِينَةِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَطَلَبَ الدَّارِ الْآخِرَةِ لَا يَجْتَمِعَانِ عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ، وَلِذَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «مَنْ أَحَبَّ دُنْيَاهُ أَضَرَّ بِآخِرَتِهِ وَمَنْ أَحَبَّ آخِرَتَهُ أَضَرَّ بِدُنْيَاهُ فَآثِرُوا مَا يَبْقَى عَلَى مَا يَفْنَى» ". (وَأَسْأَلُكَ أَنْ لَا تُخْبَرَ امْرَأَةً مِنْ نِسَائِكَ بِالَّذِي قُلْتُ) : أَمَا أَنَّهَا أَرَادَتِ اخْتِيَارَهُنَّ الدُّنْيَا لِيَخْلُصَ لَهَا الْوِصَالُ فِي الدُّنْيَا وَالْكَمَالُ فِي الْعُقْبَى (قَالَ لَا تَسْأَلُنِي امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ إِلَّا أَخْبَرْتُهَا) : لِأَعِينَهَا بِهِ عَلَى اخْتِيَارِ الْمُخْتَارِ تَقْلِيدًا أَوْ تَحْقِيقًا (إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَبْعَثْنِي مُعَنِّتًا) : بِالتَّشْدِيدِ أَيْ مُوقِعًا أَحَدًا فِي أَمْرٍ شَدِيدٍ وَالْعَنَةُ الْمَشَقَّةُ وَالْإِثْمُ أَيْضًا (وَلَا مُتَعَنِّتًا) : أَيْ: طَالِبًا لِزَلَّةِ أَحَدٍ (وَلَكِنْ بَعَثَنِي مُعَلِّمًا) : أَيْ: لِلْخَيْرِ (مُيَسِّرًا) : أَيْ: مُسَهِّلًا لِلْأَمْرِ وَفِي نُسْخَةٍ مُبَشِّرًا أَيْ لِمَنْ آمَنَ بِالْجَنَّةِ وَالنَّعِيمِ وَلِمَنِ اخْتَارَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ بِالْأَجْرِ الْعَامِّ، قَالَ: قَتَادَةُ فَلَمَّا اخْتَرْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ شَكَرَهُنَّ عَلَى ذَلِكَ وَقَصَرَهُ عَلَيْهِنَّ فَقَالَ: {لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ} [الأحزاب: ٥٢] كَذَا ذَكَرَهُ الْبَغَوِيُّ (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) : قَالَ النَّوَوِيُّ: فِيهِ جَوَازُ احْتِجَابِ الْإِمَامِ وَالْقَاضِي وَنَحْوِهِمَا فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ لِحَاجَاتِهِمُ الْمُهِمَّةِ وَالْغَالِبُ مِنْ عَادَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ لَا يَتَّخِذُ حَاجِبًا، فَاتِّخَاذُهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ ضَرُورَةٌ، وَفِيهِ وُجُوبُ الِاسْتِئْذَانِ عَلَى الْإِنْسَانِ فِي مَنْزِلِهِ، وَفِيهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْخَلِيلِ وَغَيْرِهِ فِي احْتِيَاجِ الِاسْتِئْذَانِ، وَفِيهِ تَأْدِيبُ الرَّجُلِ وَلَدَهُ وَإِنْ كَبِرَ فَاسْتَقَلَّ، وَفِيهِ مَا كَانَ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ التَّقَلُّلِ مِنَ الدُّنْيَا وَالزِّهَادَةِ فِيهَا، وَفِيهِ جَوَازُ سَكَنِ الْغُرْفَةِ لِذَاتِ الزَّوْجِ، وَاتِّخَاذُ الْخِزَانَةِ، وَفِيهِ مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ حِرْصِهِمْ عَلَى طَلَبِ الْعِلْمِ، وَفِيهِ أَنَّ لِلزَّوْجِ تَخْيِيرَ زَوْجَتِهِ وَاعْتِزَالَهُ عَنْهَا فِي بَيْتٍ آخَرَ، وَفِيهِ دَلَالَةٌ لِمَذْهَبِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ وَجَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ مَنْ خَيَّرَ زَوْجَتَهُ وَاخْتَارَتْهُ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ طَلَاقًا وَلَا يَقَعُ بِهِ فُرْقَةٌ، وَرَوَى عَنْ عَلَيٍّ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَالْحَسَنِ وَاللَّيْثِ أَنَّهُ يَقَعُ الطَّلَاقُ بِنَفْسِ التَّخَيُّرِ طَلْقَةً بَائِنَةً سَوَاءٌ اخْتَارَتْ زَوْجَهَا أَمْ لَا، وَلَعَلَّ الْقَائِلِينَ بِهِ لَمْ يَبْلُغْهُمْ هَذَا الْحَدِيثُ اهـ. وَسَيَأْتِي بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ زِيَادَةُ بَيَانٍ وَبُرْهَانٍ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute