رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: ( «إِنَّ مَرْيَمَ بِنْتَ عِمْرَانَ سَأَلَتْ رَبَّهَا أَنْ يُطْعِمَهَا لَحْمًا لَا دَمَ لَهُ، فَأَطْعَمَهَا الْجَرَادَ» ، قَالَ: اللَّهُمَّ أَعْشِهَا بِغَيْرِ رِضَاعٍ وَتَابِعْ بَيْنَهَا بِغَيْرِ شِيَاعٍ) . قُلْتُ: يَا أَبَا الْفَضْلِ! مَا الشِّيَاعُ؟ قَالَ: الصَّوْتُ. وَرُوِيَ أَنَّهُ كَانَ طَعَامُ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا عَلَيْهِمَا السَّلَامُ الْجَرَادَ وَقُلُوبَ الشَّجَرِ، وَكَانَ يَقُولُ: مَنْ أَنْعَمُ مِنْكَ يَا يَحْيَى طَعَامُكَ الْجَرَادُ وَقُلُوبُ الشَّجَرِ. وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «بَيْنَمَا أَيُّوبُ يَغْتَسِلُ عُرْيَانًا خَرَّ عَلَيْهِ رِجْلُ جَرَادٍ مِنْ ذَهَبٍ فَجَعَلَ يَحْثِي فِي ثَوْبِهِ فَنَادَاهُ اللَّهُ تَعَالَى: يَا أَيُّوبُ أَلَمْ أَكُنْ أَغْنَيْتُكَ عَمَّا تَرَى قَالَ: بَلَى يَا رَبِّ وَلَكِنْ لَا غِنَى لِي عَنْ بَرَكَتِكَ» ) . قَالَ الشَّافِعِيُّ: فِي هَذَا الْحَدِيثِ نِعْمَ الْمَالُ الصَّالِحُ مَعَ الْعَبْدِ الصَّالِحِ.
وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِهِ عَنْ أَبِي زُهَيْرٍ النُّمَيْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَقْتُلُوا الْجَرَادَ فَإِنَّهُ جُنْدُ اللَّهِ الْأَعْظَمُ» ) وَهَذَا إِنْ صَحَّ فَلَعَلَّهُ أَرَادَ بِهِ إِنْ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِإِفْسَادِ الْأَرْضِ، فَإِنْ تَعَرَّضَ لَهُ جَازَ دَفْعُهُ بِالْقَتْلِ وَغَيْرِهِ، وَأَسْنَدَ الطَّبَرَانِيُّ، «عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ: كُنَّا عَلَى مَائِدَةٍ نَأْكُلُ أَنَا وَأَخِي مُحَمَّدُ ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ، وَبَنُو عَمِّي عَبْدُ اللَّهِ وَقُثَمٌ وَالْفَضْلُ أَبْنَاءُ الْعَبَّاسِ، فَوَقَعَتْ جَرَادَةٌ عَلَى الْمَائِدَةِ، فَأَخَذَهَا عَبْدُ اللَّهِ وَقَالَ لِي: مَا مَكْتُوبٌ عَلَى هَذِهِ فَقُلْتُ: سَأَلْتُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ ذَلِكَ قَالَ: سَأَلْتُ عَنْهُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: (مَكْتُوبٌ عَلَيْهَا أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا رَبُّ الْجَرَادِ وَرَازِقُهَا إِذَا شِئْتُ بَعَثْتُهَا رِزْقًا لِقَوْمٍ، وَإِنْ شِئْتُ بَعَثْتُهَا بَلَائًا عَلَى قَوْمٍ فَقَالَ عَبْدٌ هَذَا مِنَ الْعِلْمِ الْمَكْنُونِ» .
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْجَرَادِ هَلْ هُوَ صَيْدٌ بَرِّيٌّ أَوْ بَحْرِيٌّ؟ فَقِيلَ: بَحْرِيٌّ. لِمَا رَوَى ابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «دَعَا عَلَى الْجَرَادِ فَقَالَ: (اللَّهُمَّ أَهْلِكْ كِبَارَهُ وَأَفْسِدْ صِغَارَهُ وَاقْطَعْ دَابِرَهُ وَخُذْ فَأَفْوَاهِهِ عَنْ مَعَايِشِنَا وَأَرْزَاقِنَا، فَإِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ) . فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تَدْعُو عَلَى جُنْدٍ مِنْ أَجْنَادِ اللَّهِ بِقَطْعِ دَابِرِهِ؟ قَالَ: (الْجَرَادُ نَثْرَةُ الْحُوتِ مِنَ الْبَحْرِ أَيْ عَطْسَتُهُ» ، وَالْمُرَادُ أَنَّ الْجَرَادَ مِنْ صَيْدِ الْبَحْرِ يَحِلُّ لِلْمُحْرِمِ صَيْدُهُ، وَفِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، فَاسْتَقْبَلَنَا رِجْلٌ مِنْ جَرَادٍ، فَجَعَلْنَا نَضْرِبُهُنَّ بِنِعَالِنَا وَأَسْوَاطِنَا، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (كُلُوهُ لِأَنَّهُ مِنْ صَيْدِ الْبَحْرِ» . وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ بَرِّيٌّ، لِأَنَّ الْمُحْرِمَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ إِذَا أَتْلَفَهُ، وَبِهِ قَالَ عُمَرُ وَعُثْمَانُ وَابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَعَطَاءٌ. قَالَ الْعَبْدَرِيُّ: وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الْعِلْمِ كَافَّةً إِلَّا أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ، فَإِنَّهُ قَالَ: لَا جَزَاءَ فِيهِ، وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ، وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ - فَإِنَّهُمْ قَالُوا: هُوَ مِنْ صَيْدِ الْبَحْرِ لَا جَزَاءَ فِيهِ. وَاحْتَجَّ لَهُمْ بِحَدِيثِ أَبِي الْمُهَزِّمِ، وَهُوَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْهَاءِ وَكَسْرِ الزَّايِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: «أَصَبْنَا ضَرْبًا مِنَ الْجَرَادِ، وَكَانَ رَجُلٌ يَضْرِبُ بِسَوْطٍ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ هَذَا لَا يَصْلُحُ، فَذُكِرَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: (إِنَّمَا هُوَ مِنْ صَيْدِ الْبَحْرِ) » . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمْ. وَاتَّفَقُوا عَلَى تَضْعِيفِهِ لِتَضْعِيفِ أَبِي الْمُهَزِّمِ، وَاحْتَجَّ الْجُمْهُورُ. بِمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ، أَوِ الْحَسَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي عَمَّارٍ، أَنَّهُ قَالَ: أَقْبَلْتُ مَعَ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَكَعْبِ الْأَحْبَارِ فِي أُنَاسٍ مُحَرِمِينَ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ بِعُمْرَةٍ، حَتَّى إِذَا كُنَّا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ وَكَعْبٌ عَلَى نَارٍ يَصْطَلِي، فَمَرَّتْ بِهِ رِجْلٌ مِنْ جَرَادٍ فَأَخَذَ جَرَادَتَيْنِ قَتَلَهُمَا وَنَسِيَ إِحْرَامَهُ ثُمَّ ذَكَرَ إِحْرَامَهُ فَأَلْقَاهُمَا، فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ دَخَلَ الْقَوْمُ عَلَى عُمَرَ، وَدَخَلْتُ مَعَهُمْ فَقَصَّ كَعْبٌ قِصَّةَ الْجَرَادَتَيْنِ عَلَى عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فَقَالَ: مَا جَعَلْتَ عَلَى نَفْسِكَ يَا كَعْبُ؟ قَالَ: دِرْهَمَيْنِ. فَقَالَ بَخٍ بَخٍ دِرْهَمَانِ خَيْرٌ مِنْ جَرَادَتَيْنِ اجْعَلْ مَا جَعَلْتَ فِي نَفْسِكَ. وَفِي الْأَمْثَالِ: تَمْرَةٌ خَيْرٌ مِنْ جَرَادَةٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute