الْفَصْلُ الثَّانِي
٤٧٦٦ - «عَنْ شُرَيْحِ بْنِ هَانِئٍ، عَنْ أَبِيهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ لَمَّا وَفَدَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ قَوْمِهِ سَمِعَهُمْ يُكَنُّونَهُ بِأَبِي الْحَكَمِ، فَدَعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: " إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَكَمُ، وَإِلَيْهِ الْحُكْمُ، فَلِمَ تُكَنَّى أَبَا الْحَكَمِ؟ " قَالَ: إِنَّ قَوْمِي إِذَا اخْتَلَفُوا فِي شَيْءٍ أَتَوْنِي فَحَكَمْتُ بَيْنَهُمْ، فَرَضِيَ كِلَا الْفَرِيقَيْنِ بِحُكْمِي. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا أَحْسَنَ هَذَا، فَمَا لَكَ مِنَ الْوَلَدِ؟ " قَالَ: لِي شُرَيْحٌ، وَمُسْلِمٌ، وَعَبْدُ اللَّهِ. قَالَ: " فَمَنْ أَكْبَرُهُمْ؟ " قَالَ: قُلْتُ: شُرَيْحٌ. قَالَ: " فَأَنْتَ أَبُو شُرَيْحٍ» ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ.
ــ
٤٧٦٦ - (عَنْ شُرَيْحِ) : بِالتَّصْغِيرِ (ابْنِ هَانِئٍ) : بِنُونٍ مَكْسُورَةٍ فَهَمْزَةٌ (عَنْ أَبِيهِ) أَيْ: هَانِئِ بْنِ يَزِيدٍ (أَنَّهُ لَمَّا وَفَدَ) أَيْ: جَاءَ (إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ قَوْمِهِ سَمِعَهُمْ) أَيْ: سَمِعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (يُكَنُّونَهُ) : بِتَشْدِيدِ النُّونِ مَعَ ضَمِّ أَوَّلِهِ، وَتَخْفِيفٍ مَعَ فَتْحِ أَوَّلِهِ (بِأَبِي الْحَكَمِ) : الْكُنْيَةُ قَدْ تَكُونُ بِالْأَوْصَافِ كَأَبِي الْفَضَائِلِ وَأَبَى الْمَعَالِي وَأَبِي الْحَكَمِ وَأَبِي الْخَيْرِ، وَقَدْ تَكُونُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْأَوْلَادِ كَأَبِي سَلَمَةَ، وَأَبِي شُرَيْحٍ، وَإِلَى مَا لَا يُلَابِسُهُ كَأَبِي هُرَيْرَةَ، فَإِنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ رَآهُ وَمَعَهُ هِرَّةٌ فَكَنَّاهُ بِأَبِي هُرَيْرَةَ، وَقَدْ تَكُونُ لِلْعَلَمِيَّةِ الصِّرْفَةِ كَأَبِي بَكْرٍ وَأَبِي عَمْرٍو (فَدَعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) أَيْ: طَلَبَ هَانِئًا (فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَكَمُ) : عَرَّفَ الْخَبَرَ وَأَتَى بِضَمِيرِ الْفَصْلِ فَدَلَّ عَلَى الْحَصْرِ، وَأَنَّ هَذَا الْوَصْفَ مُخْتَصٌّ بِهِ لَا يَتَجَاوَزُ إِلَى غَيْرِهِ (وَإِلَيْهِ الْحُكْمُ) أَيْ: مِنْهُ يُبْتَدَأُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ يَنْتَهِي الْحُكْمُ، {لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [القصص: ٨٨] ، لَا رَادَّ لِحُكْمِهِ، وَلَا يَخْلُو حُكْمُهُ عَنْ حِكْمَتِهِ. وَفِي إِطْلَاقِ أَبِي الْحَكَمِ عَلَى غَيْرِهِ يُوهِمُ الِاشْتِرَاكَ فِي وَصْفِهِ عَلَى الْجُمْلَةِ، وَإِنْ لَمْ يُطْلَقْ عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ أَبُو الْحَكَمِ لِمَا فِيهِ مِنْ إِيهَامِ الْوَالِدِيَّةِ وَالْوَلَدِيَّةِ، وَقَدْ غَيَّرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْمَ عَمْرِو بْنِ هِشَامٍ الْمُكَنَّى بِأَبِي الْحَكَمِ بِأَبِي جَهْلٍ. وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ: الْحَكَمُ هُوَ الْحَاكِمُ الَّذِي إِذَا حَكَمَ لَا يُرَدُّ حُكْمُهُ، وَهَذِهِ الصِّفَةُ لَا تَلِيقُ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَمِنْ أَسْمَائِهِ الْحَكَمُ. (فَلِمَ تُكَنَّى أَبَا الْحَكَمِ؟) أَيْ: فَلِأَيِّ شَيْءٍ وَبِأَيِّ سَبَبٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْكُنْيَةِ تُكَنَّى بِأَبِي الْحَكَمِ؟ (قَالَ: إِنَّ قَوْمِي) : اسْتِئْنَافُ تَعْلِيلٍ (إِذَا اخْتَلَفُوا فِي شَيْءٍ) : وَصَارُوا فِرْقَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ وَكَادَ أَنْ يَقْتَتِلَا (أَتَوْنِي فَحَكَمْتُ بَيْنَهُمْ) أَيْ: بِأَيِّ نَوْعٍ مِنَ الْحُكْمِ (فَرَضِيَ كِلَا الْفَرِيقَيْنِ بِحُكْمِي) أَيْ: لِمُرَاعَاتِي الْجَانِبَيْنِ وَالْعَدْلَ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ، وَحُصُولِ الصُّلْحِ مِنَ الطَّرَفَيْنِ. (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا أَحْسَنَ هَذَا) أَيِ: الَّذِي ذَكَرْتَهُ مِنَ الْحُكْمِ بِالْعَدْلِ، أَوْ مِنْ وَجْهِ التَّكْنِيَةِ وَهُوَ الْأَوْلَى، وَأَتَى بِصِيغَةِ التَّعَجُّبِ مُبَالَغَةً فِي حُسْنِهِ، لَكِنْ لَمَّا كَانَ فِيهِ مِنَ الْإِيهَامِ مَا سَبَقَ فِي الْكَلَامِ أَرَادَ تَحْوِيلَ كُنْيَتِهِ إِلَى مَا يُنَاسِبُهُ فِي الْمَرَامِ، فَقَالَ: إِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute