٤٨٣٠ - «وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّ رَجُلًا اسْتَأْذَنَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: ائْذَنُوا لَهُ، فَبِئْسَ أَخُو الْعَشِيرَةِ " فَلَمَّا جَلَسَ تَطَلَّقَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي وَجْهِهِ وَانْبَسَطَ إِلَيْهِ، فَلَمَّا انْطَلَقَ الرَّجُلُ قَالَتْ عَائِشَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! قُلْتَ لَهُ: كَذَا وَكَذَا، ثُمَّ تَطَلَّقْتَ فِي وَجْهِهِ، وَانْبَسَطْتَ إِلَيْهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَتَى عَاهَدْتِنِي فَحَّاشًا؟ إِنَّ شَرَّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ تَرَكَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ شَرِّهِ "، وَفِي رِوَايَةٍ: " اتِّقَاءَ فُحْشِهِ» ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ــ
٤٨٣٠ - (وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - أَنَّ رَجُلًا) : قِيلَ: هُوَ عُيَيْنَةُ الْفَزَارِيُّ، وَقِيلَ: مَخْرَمَةُ بْنُ نَوْفَلٍ، وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِتَعْدَادِ الْوَاقِعَةِ (اسْتَأْذَنَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) أَيْ: فِي الدُّخُولِ عَلَيْهِ (فَقَالَ: " ائْذَنُوا) : بِهَمْزٍ سَاكِنَةٍ وَصْلًا وَيَجُورُ إِبْدَالُهَا يَاءً لَكِنْ إِذَا ابْتُدِئَ بِهِ يُقْرَأُ بِهَمْزَةٍ مَكْسُورَةٍ وَيَاءٍ سَاكِنَةٍ وَالدَّالُ مَفْتُوحَةٌ مُطْلَقًا أَيْ: أَعْطُوا الْإِذْنَ (لَهُ) أَوْ أَعْلِمُوهُ بِالْإِذْنِ (فَبِئْسَ أَخُو الْعَشِيرَةِ) أَيْ: بِئْسَ هُوَ مِنْ قَوْمِهِ، وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ: بِئْسَ أَخُو الْعَشِيرَةِ، وَبِئْسَ ابْنُ الْعَشِيرَةِ مِنْ غَيْرِ شَكٍّ. وَفِي الشَّمَائِلِ: بِئْسَ ابْنُ الْعَشِيرَةِ أَوْ أَخُو الْعَشِيرَةِ عَلَى الشَّكِّ، فَقِيلَ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الشَّكُّ مِنْ سُفْيَانَ، فَإِنَّ جَمِيعَ أَصْحَابِ الْمُنْكَدِرِ رَوَوْهُ عَنْهُ بِدُونِ الشَّكِّ. قَالَ الطِّيبِيُّ: الْعَشِيرَةُ الْقَبِيلَةُ أَيْ: بِئْسَ هَذَا الرَّجُلُ مِنْ هَذِهِ الْعَشِيرَةِ، كَمَا يُقَالُ: يَا أَخَا الْعَرَبِ لِرَجُلٍ مِنْهُمْ. قَالَ النَّوَوِيُّ: اسْمُ هَذَا الرَّجُلِ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ، وَلَمْ يَكُنْ أَسْلَمَ حِينَئِذٍ، وَإِنْ كَانَ قَدْ أَظْهَرَ الْإِسْلَامَ، فَأَرَادَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُبَيِّنَ حَالَهُ لِيَعْرِفَهُ النَّاسُ وَلَا يَغْتَرَّ بِهِ مَنْ لَمْ يَعْرِفْ بِحَالِهِ، وَكَانَ مَنُّهُ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَعْدَهُ مَا دَلَّ عَلَى ضَعْفِ إِيمَانِهِ، وَوَصْفُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّهُ بِئْسَ أَخُو الْعَشِيرَةِ مِنْ أَعْلَامِ النُّبُوَّةِ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ كَمَا وَصَفَ.
(فَلَمَّا جَلَسَ) أَيْ: بَعْدَ دُخُولِهِ (تَطَلَّقَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي وَجْهِهِ) أَيْ: أَظْهَرَ لَهُ طَلَاقَةَ الْوَجْهِ وَبَشَاشَةَ الْبَشَرَةِ (وَانْبَسَطَ إِلَيْهِ) أَيْ: تَبَسَّمَ لَهُ وَأَلَانَ الْقَوْلَ لَهُ كَمَا فِي رِوَايَةٍ. وَقَالَ شَارِحٌ أَيْ: جَعَلَهُ قَرِيبًا مِنْ نَفْسِهِ. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَإِنَّمَا أَلَانَ لَهُ الْقَوْلَ تَأَلُّفًا لَهُ وَلِأَمْثَالِهِ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَفِيهِ مُدَارَاةُ مَنْ يُتَّقَى فُحْشُهُ وَجَوَازُ غِيبَةِ الْفَاسِقِ. وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ ذِكْرَ الْفَاسِقِ بِمَا فِيهِ لِيُعْرَفَ أَمْرُهُ فَيُتَّقَى لَا يَكُونُ مِنَ الْغِيبَةِ، وَلَعَلَّ الرَّجُلَ كَانَ مُجَاهِرًا بِسُوءِ أَفْعَالِهِ وَلَا غِيبَةَ لِمُجَاهِرٍ. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَمِنَ الَّذِينَ يَجُوزُ لَهُمُ الْغِيبَةُ الْمُجَاهِرُ بِفِسْقِهِ أَوْ بِدْعَتِهِ، فَيَجُوزُ ذِكْرُهُ بِمَا يَجْهَرُ بِهِ وَلَا يَجُوزُ بِغَيْرِهِ (فَلَمَّا انْطَلَقَ الرَّجُلُ) أَيْ: ذَهَبَ (قَالَتْ عَائِشَةُ) : لَعَلَّ هَذَا نُقِلَ بِالْمَعْنَى، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ رِوَايَةُ الشَّمَائِلِ عَنْ عُرْوَةَ «عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: اسْتَأْذَنَ رَجُلٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَا عِنْدَهُ فَقَالَ: " بِئْسَ ابْنُ الْعَشِيرَةِ أَوْ أَخُو الْعَشِيرَةِ» " ثُمَّ أَذِنَ لَهُ فَأَلَانَ لَهُ الْقَوْلَ، فَلَمَّا خَرَجَ قُلْتُ: (يَا رَسُولَ اللَّهِ! قُلْتَ لَهُ: كَذَا وَكَذَا) وَفِي الشَّمَائِلِ قُلْتَ لَهُ مَا قُلْتَ (ثُمَّ تَطَلَّقْتَ فِي وَجْهِهِ وَانْبَسَطْتَ إِلَيْهِ) . أَيْ أَلَنْتَ لَهُ الْقَوْلَ عَلَى مَا فِي الشَّمَائِلِ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَتَى عَاهَدْتِنِي) أَيْ: وَجَدْتِنِي وَرَأَيْتِنِي (فَحَّاشًا؟) أَيْ: ذَا فُحْشٍ يَعْنِي: قَائِلًا لِلْفُحْشِ، وَأَصْلُ الْفُحْشِ زِيَادَةُ الشَّيْءِ عَلَى مِقْدَارِهِ، وَهَذَا إِنْكَارٌ عَلَى قَوْلِهَا: إِنَّكَ خَالَفْتَ بَيْنَ الْغَيْبِ وَالْحُضُورِ، فَلِمَ لَمْ تُذَمِّمْهُ فِي الْحُضُورِ كَمَا ذَمَّمْتَهُ فِي الْغَيْبِ؟ (إِنَّ شَرَّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً يَوْمِ الْقِيَامَةِ) : اسْتِئْنَافٌ كَالتَّعْلِيلِ لِقَوْلِهِ: مَتَى عَاهَدْتِنِي فَحَّاشًا (مَنْ تَرَكَهُ النَّاسُ) : وَفِي رِوَايَةٍ: وَدَعَهُ النَّاسُ كَقِرَاءَةِ: " مَا وَدَعَكَ " فِي الشَّوَاذِّ بِالتَّخْفِيفِ، وَفِيهِ رَدٌّ لِقَوْلِ الصَّرْفِيِّينَ: أَمَاتُوا مَاضِي يَدَعُ إِلَّا أَنْ يُرِيدُوا بِإِمَاتَتِهِ نُدْرَتَهُ، فَهُوَ شَاذٌّ اسْتِعْمَالًا صَحِيحٌ قِيَاسًا، وَالْمَعْنَى: مَنْ تَرَكَ النَّاسُ التَّعَرُّضَ لَهُ (اتِّقَاءَ شَرِّهِ) . كَيْلَا يُؤْذِيَهُمْ بِلِسَانِهِ، وَفِيهِ رُخْصَةُ الْمُدَارَاةِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute