للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أَيْ: فَإِذَا رَجُلٌ وَاقِفٌ فَقَالَ (لَنَا: إِلَى جَنْبِكُمْ قَرْيَةٌ) : بِحَذْفِ الِاسْتِفْهَامِ (يُقَالُ لَهَا: الْأُبُلَّةُ) : بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَالْبَاءِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ، الْبَلَدُ الْمَعْرُوفُ قُرْبَ الْبَصْرَةِ مِنْ جَانِبِهَا الْبَحْرِيِّ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ، وَهِيَ أَحَدُ الْمُنْتَزَهَاتِ الْأَرْبَعِ، وَهِيَ أَقْدَمُ مِنَ الْبَصْرَةِ. قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: هِيَ اسْمٌ نَبَطِيٌّ، ذَكَرَهُ مِيرَكُ عَنِ التَّصْحِيحِ، وَقَالَ شَارِحٌ: هِيَ مِنْ جَنَّاتِ الدُّنْيَا، وَهِيَ أَرْبَعٌ: أُبُلَّةُ الْبَصْرَةِ، وَغُوطَةُ دِمَشْقَ، وَسَفْدُ سَمَرْ قَنْدَ، وَشِعْبُ بَوَانَ، ثُمَّ قِيلَ: بَوَانُ هُوَ كِرْمَانُ، وَقِيلَ نُوبِنْدِجَانُ فِي الْفَارِسِ. (قُلْنَا: نَعَمْ. قَالَ: مَنْ يَضْمَنُ) : اسْتِفْهَامٌ لِلِالْتِبَاسِ وَالسُّؤَالِ، وَالْمَعْنَى: مَنْ يَتَقَبَّلُ وَيَتَكَفَّلُ (لِي) أَيْ: لَأَجْلِي (مِنْكُمْ أَنْ يُصَلِّيَ لِي) أَيْ: بِنِيَّتِي (فِي مَسْجِدِ الْعَشَّارِ) : بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ، مَسْجِدٌ مَشْهُورٌ يُتَبَرَّكُ بِالصَّلَاةِ فِيهِ، ذَكَرَهُ مِيرَكُ، (رَكْعَتَيْنِ أَوْ أَرْبَعًا) أَيْ: أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ وَ (أَوْ) لِلتَّنْوِيعِ، أَوْ بِمَعْنَى " بَلْ "، (وَيَقُولُ) أَيْ: عِنْدَ النِّيَّةِ أَوْ بَعْدَ فَرَاغِ الصَّلَاةِ (هَذِهِ) أَيِ: الصَّلَاةُ أَوْ ثَوَابُهَا (لِأَبِي هُرَيْرَةَ؟) : قِيلَ، فَإِنْ قِيلَ: الصَّلَاةُ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ وَلَا تَقَبَلُ النِّيَابَةَ، فَمَا مَعْنَى قَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ؟ قُلْنَا: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مَذْهَبُ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَاسَ الصَّلَاةَ عَلَى الْحَجِّ، وَإِنْ كَانَ فِي الْحَجِّ شَائِبَةٌ مَالِيَّةٌ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ: ثَوَابٌ هَذِهِ الصَّلَاةِ لِأَبِي هُرَيْرَةَ، فَإِنَّ ذَلِكَ جَوَّزَهُ بَعْضُهُمْ، كَذَا ذَكَرَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَ عُلَمَاؤُنَا: الْأَصْلُ فِي الْحَجِّ عَنِ الْغَيْرِ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَهُ أَنْ يَجْعَلَ ثَوَابَ عَمَلِهِ لِغَيْرِهِ مِنَ الْأَمْوَاتِ وَالْأَحْيَاءِ، حَجًّا أَوْ صَلَاةً، أَوْ صَوْمًا أَوْ صَدَقَةً، أَوْ غَيْرَهَا كَتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ وَالْأَذْكَارِ، فَإِذَا فَعَلَ شَيْئًا مِنْ هَذَا، وَجَعَلَ ثَوَابَهُ لِغَيْرِهِ جَازَ، وَيَصِلُ إِلَيْهِ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ.

(سَمِعْتُ خَلِيلِي) ، قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: قَدْ سَبَقَ مِنْهُ هَذَا الْقَوْلُ فِي عِدَّةِ أَحَادِيثَ، وَكَأَنَّهُ قَوْلٌ لَمْ يَصْدُرْ عَنْ رُؤْيَةٍ، بَلْ كَانَ الْبَاعِثُ عَلَيْهِ مَا عَرَفَ مِنْ قَلْبِهِ مِنْ صِدْقِ الْمَحَبَّةِ، وَلَوْ تَدَبَّرَ الْقَوْلَ لَمْ يَلْتَبِسْ عَلَيْهِ كَوْنُ ذَلِكَ زَائِغًا عَنْ نَهْجِ الْأَدَبِ، وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنَ النَّاسِ خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا» "، وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «إِنِّي أَبْرَأُ إِلَى كُلِّ خَلِيلٍ مِنْ خُلَّتِهِ» " ; فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَدَّعِيَ خُلَّتَهُ مَعَ بَرَاءَتِهِ عَنْ خُلَّةِ كُلِّ خَلِيلٍ. قَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: لَوْ تَأَمَّلَ حَقَّ التَّأَمُّلِ مَا ذَهَبَ إِلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ ; لِأَنَّ الْمُحِبَّ مِنْ فَرْطِ الْمَحَبَّةِ وَصِدْقِ الْوِدَادِ بِرَفْعِ الِاحْتِشَامِ مِنَ الْبَيْنِ، لَا سِيَّمَا إِذَا امْتَدَّ زَمَانُ الْمُفَارَقَةِ عَلَى أَنَّهُ نَسَبَ الْخُلَّةَ إِلَى جَانِبِهِ لَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; لِأَنَّهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مُذْ أَسْلَمَ مَا فَارَقَ حَضْرَةَ الرِّسَالَةِ مَعَ شَدَّةِ احْتِيَاجِهِ وَفَاقَتِهِ، وَالنَّاسُ مُشْتَغِلُونَ بِتِجَارَتِهِمْ وَزُرُوعِهِمْ. أَقُولُ: قَوْلُهُ: لِأَنَّ صِدْقَ الْوِدَادِ يَرْفَعُ الِاحْتِشَامَ مِنَ الْبَيْنِ إِلَخْ، كَلَامٌ مَدْخُولٌ وَتَعْلِيلٌ مَعْلُولٌ، إِذْ مِثْلُ هَذَا لَا يُقَالُ إِلَّا فِي الْمُتَسَاوِيَيْنِ مِنَ الْمُتَصَاحِبَيْنِ، وَلَا يُقَاسُ الْمُلُوكُ بِالْحَدَّادِينَ، فَأَيْنَ مَنْصِبُ صَاحِبِ النُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَةِ عَنْ مَرْتَبَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الْحَضْرَةِ أَوِ الْغَيْبَةِ، حَتَّى يُعَبِّرَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّهُ خَلِيلُهُ، بِأَيِّ مَعْنًى يَكُونُ سَوَاءً مِنْ إِضَافَةِ الْوَصْفِ إِلَى فَاعِلِهِ أَوْ مَفْعُولِهِ، وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ مِثْلَ هَذَا لَوْ صَدَرَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَأُنْكِرَ عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُ بِظَاهِرِهِ مُصَادِمٌ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا " الْحَدِيثَ. هَذَا وَقَدْ قِيلَ فِي سَبَبِ تَسْمِيَةِ إِبْرَاهِيمَ بِالْخَلِيلِ، أَنَّهُ بَعَثَ إِلَى خَلِيلٍ لَهُ بِمِصْرَ فِي أَزْمَةٍ أَصَابَتِ النَّاسَ، يَمْتَارُ مِنْهُ، فَقَالَ خَلِيلُهُ: لَوْ كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَطْلُبُ الْمِيرَةَ لِنَفْسِهِ لَفَعَلْتُ، وَلَكِنَّهُ يُرِيدُهَا لِلْأَضْيَافِ، فَاجْتَازَ غِلْمَانُهُ بِبَطْحَاءَ لَيِّنَةٍ فَمَلَأُوا مِنْهَا الْغَرَائِرَ حَيَاءً مِنَ النَّاسِ، فَلَمَّا أَخْبَرُوا إِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سَاءَهُ الْخَبَرُ، فَحَمَلَتْهُ عَيْنَاهُ وَعَمَدَتِ امْرَأَتُهُ إِلَى غِرَارَةٍ مِنْهَا، فَأَخْرَجَتْ أَحْسَنَ حُوَّارَى وَاخْتَبَزَتْ، وَاسْتَنْبَهَ فَاشْتَمَّ رَائِحَةَ الْخُبْزِ، فَقَالَ: مَنْ أَيْنَ لَكُمْ هَذَا؟ فَقَالَتِ امْرَأَتُهُ: مِنْ خَلِيلِكَ الْمِصْرِيِّ، فَقَالَ: بَلْ مِنْ عِنْدِ خَلِيلِيَ اللَّهِ ; فَسَمَّاهُ اللَّهُ خَلِيلًا. هَكَذَا ذَكَرَهُ فِي الْكَشَّافِ.

قَالَ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: أَصْلُ الْخُلَّةِ الِاخْتِصَاصُ وَالِاسْتِقْصَاءُ، وَقِيلَ: أَصْلُهَا الِانْقِطَاعُ إِلَى مَنْ خَالَلْتَ، مَأْخُوذٌ مِنَ الْخَلَّةِ، وَهِيَ الْحَاجَةُ، فَسُمِّيَ إِبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِذَلِكَ ; لِأَنَّهُ قَصَرَ حَاجَتَهُ إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى جَلَّ جَلَالُهُ وَلَا إِلَهَ غَيْرُهُ، وَقِيلَ: الْخُلَّةُ صَفَاءُ الْمَوَدَّةِ الَّتِي تُوجِبُ تَخَلُّلَ الْأَسْرَارِ، وَقِيلَ: مَعْنَاهَا الْمَحَبَّةُ وَالْأَلْطَافُ، هَذَا كَلَامُ

<<  <  ج: ص:  >  >>