للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَأَقْدَرَهُ عَلَى أَشْيَاءَ مِنْ مَقْدُورَاتِ اللَّهِ تَعَالَى، مِنْ إِحْيَاءِ الْمَيِّتِ الَّذِي يَقْتُلُهُ وَظُهُورِ زَهْرَةِ الدُّنْيَا وَالْخِصْبِ مَعَهُ، وَاتِّبَاعِ كُنُوزِ الْأَرْضِ لَهُ، وَأَمْرِ السَّمَاءِ أَنْ تُمْطِرَ فَتُمْطِرَ وَالْأَرْضِ أَنْ تُنْبِتَ، فَيَقَعُ كُلُّ ذَلِكَ بِقُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَشِيئَتِهِ، ثُمَّ يُعْجِزُهُ اللَّهُ تَعَالَى بَعْدَ ذَلِكَ، فَلَا يَقْدِرُ عَلَى قَتْلِ ذَلِكَ الرَّجُلِ وَلَا غَيْرِهِ، وَيَقْتُلُهُ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ، وَيُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا، وَقِصَّتُهُ عَظِيمَةٌ جِدًّا تُدْهِشُ الْعُقُولَ وَتُحَيِّرُ الْأَلْبَابَ، مَعَ سُرْعَةِ مُرُورِهِ فِي الْأَرْضِ، وَلَا يَمْكُثُ بِحَيْثُ يَتَأَمَّلُ الضُّعَفَاءُ دَلَائِلَ الْحُدُوثِ وَالنَّقْصِ، فَيُصَدِّقُهُ مَنْ يُصَدِّقُهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ ; وَلِهَذَا حَذَّرَتِ الْأَنْبِيَاءُ - عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْ فِتْنَتِهِ، وَنَبَّهُوا عَلَى نَقْصِهِ وَدَلَائِلِ إِبْطَالِهِ، وَأَمَّا أَهْلُ التَّوْفِيقِ، فَلَا يَغْتَرُّونَ وَلَا يَنْخَدِعُونَ بِمَا فِيهِ ; لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الدَّلَائِلِ الْمُكَذِّبَةِ لَهُ، مَعَ مَا سَبَقَ لَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ بِحَالِهِ. (" وَإِنِّي أُنْذِرُكُمْ كَمَا أَنْذَرَ بِهِ نُوحٌ قَوْمَهُ ") .

فَإِنْ قِيلَ: لِمَ خَصَّ نُوحًا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِالذِّكْرِ؟ قُلْتُ: فَإِنَّ نُوحًا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - تَقَدَّمَ الْمَشَاهِيرَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، كَمَا خَصَّهُ بِالتَّقَدُّمِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا} [الشورى: ١٣] ، ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَفِيهِ أَنَّهُ إِنَّمَا يُتِمُّ هَذَا إِنْ صَحَّ أَنَّ مَنْ سَبَقَهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ أَنْذَرَ قَوْمَهُ، وَإِلَّا فَيُتْرَكُ عَلَى حَقِيقَةِ أَوَّلِيَّتِهِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ: إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ بَعْدَ نُوحٍ إِلَّا قَدْ أَنْذَرَ الدَّجَّالَ قَوْمَهُ، وَأَمَّا تَقْدِيمُهُ فِي الْآيَةِ ; فَلِكَوْنِهِ مُقَدَّمًا عَلَى سَائِرِ أُولِي الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ بِحَسَبِ الْوُجُودِ ; وَلِذَا قُدِّمَ نَبِيُّنَا - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي آيَةٍ أُخْرَى عَلَى أُولِي الْعَزْمِ ; لِكَوْنِ تَقَدُّمِهِ وُجُودًا وَرُتْبَةً، وَهِيَ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ جَلَّ جَلَالُهُ: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى بْنِ مَرْيَمَ} [الأحزاب: ٧] ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْخَمْسَةَ هُمْ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ، وَاجْتَمَعَ ذِكْرُهُمْ فِي الْآيَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .

<<  <  ج: ص:  >  >>