للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

نَفْسِهِ شَرَّهُ بِتَكْذِيبِهِ وَاخْتِيَارِ صُورَةِ تَعْذِيبِهِ، (وَاللَّهُ خَلِيفَتِي عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ) ، يَعْنِي: وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَلِيُّ كُلِّ مُسْلِمٍ وَحَافِظُهُ، فَيُعِينُهُ عَلَيْهِ وَيَدْفَعُ شَرَّهُ، وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُؤْمِنَ الْمُوقِنَ لَا يَزَالُ مَنْصُورًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ نَبِيٌّ، وَلَا إِمَامٌ ; فَفِيهِ رَدٌّ عَلَى الْإِمَامِيَّةِ مِنَ الشِّيعَةِ، (" إِنَّهُ ") أَيِ: الدَّجَّالَ، وَهُوَ اسْتِئْنَافُ بَيَانٍ لِبَعْضِ أَحْوَالِهِ، وَتِبْيَانٌ لِبَعْضِ مَا يُفِيدُ فِي دَفْعِ شَرِّ أَفْعَالِهِ، (" شَابٌّ) : فِيهِ إِشْعَارٌ بِأَنَّهُ غَيْرُ ابْنِ الصَّيَّادِ، وَإِيمَاءٌ إِلَى أَنَّهُ مَحْرُومٌ مِنْ بَيَاضِ الْوَقَارِ، وَثَابِتٌ عَلَى اشْتِدَادِ السَّوَادِ فِي الظَّاهِرِ، الَّذِي هُوَ عُنْوَانُ الْبَاطِنِ مِنْ سَوَادِ الْفُؤَادِ، (" قَطَطٌ ") : بِفَتْحِ الْقَافِ وَالطَّاءِ، أَيْ: شَدِيدُ جُعُودَةِ الشَّعَرِ، وَفِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى اسْتِحْبَابِ تَسْرِيحِ الشَّعَرِ دَفْعًا لِلْمُشَابَهَةِ بِالْهَيْئَةِ الْبَشِيعَةِ، (" عَيْنُهُ طَافِيَةٌ ") بِالْيَاءِ وَيُهْمَزُ أَيْ: مُرْتَفِعَةٌ، (كَأَنِّي أُشَبِّهُهُ) : بِتَشْدِيدِ الْمُوَحَّدَةِ، أَيْ: أُمَثِّلُهُ (" بِعَبْدِ الْعُزَّى ") : بِضَمِّ الْعَيْنِ وَتَشْدِيدِ الزَّايِ، (بْنِ قَطَنٍ) بِفَتْحَتَيْنِ، وَهُوَ يَهُودِيٌّ، قَالَهُ شَارِحٌ.

وَقَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: قِيلَ: إِنَّهُ كَانَ يَهُودِيًّا، وَلَعَلَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ مُشْرِكٌ ; لِأَنَّ الْعُزَّى اسْمُ صَنَمٍ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا جَاءَ فِي بَعْضِ الْحَوَاشِي: هُوَ رَجُلٌ مِنْ خُزَاعَةَ، هَلَكَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، ثُمَّ قَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: لَمْ يَقُلْ: إِنَّهُ عَبْدُ الْعُزَّى ; لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَازِمًا فِي تَشْبِيهِهِ بِهِ، قُلْتُ: لَا شَكَّ فِي تَشْبِيهِهِ بِهِ، إِلَّا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ مَعْرِفَةُ الْمُشَبَّهِ فِي عَالَمِ الْكَشْفِ أَوِ الْمَنَامِ عَبَّرَ عَنْهُ بِكَأَنِي كَمَا هُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي تَعْبِيرِ حِكَايَةِ الرُّؤْيَا، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: لَمَّا لَمْ يُوجَدْ فِي الْكَوْنِ أَقْبَحُ صُورَةً مِنْهُ، فَلَا يَتِمُّ التَّشْبِيهُ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ، بَلْ وَلَا مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ ; عَدَلَ عَنْ صِيغَةِ الْجَزْمِ، وَعَبَّرَ عَنْهُ بِمَا عَبَّرَ عَنْهُ، ثُمَّ فِي صِيغَةِ الْحَالِ إِشْعَارٌ بِاسْتِحْضَارِ صُورَةِ الْمَآلِ. (فَمَنْ أَدْرَكَهُ مِنْكُمْ فَلْيَقْرَأْ عَلَيْهِ فَوَاتِحَ سُورَةِ الْكَهْفِ) أَيْ: أَوَائِلَهَا إِلَى (كَذِبًا) ; لِدَلَالَةِ تِلْكَ الْآيَاتِ عَلَى مَعْرِفَةِ ذَاتِ اللَّهِ وَصِفَاتِهِ، لَكِنَّ لَفْظَهُ: «مَنْ أَدْرَكَ الدَّجَّالَ فَلْيَقْرَأْ عَلَيْهِ خَوَاتِمَهَا ; فَإِنَّهَا جِوَارٌ لَهُ مِنْ فِتْنَتِهِ هَبَاءً مَنْثُورًا، وَأَنَّ تَابِعَهُ يَدْعُو هَلَاكًا وَثُبُورًا» .

قَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: الْمَعْنَى أَنَّ قِرَاءَتَهُ أَمَانٌ لَهُ مِنْ فِتْنَتِهِ، كَمَا أَمِنَ تِلْكَ الْفِتْيَةُ مِنْ فِتْنَةِ دِقْيَانُوسَ الْجَبَّارِ.

(وَفِي رِوَايَةٍ) أَيْ: لِمُسْلِمٍ أَيْضًا (" فَلْيَقْرَأْ عَلَيْهِ بِفَوَاتِحِ سُورَةِ الْكَهْفِ ; فَإِنَّهَا جِوَارُكُمْ مِنْ فِتْنَتِهِ ") أَيْ: بَلِيَّةِ (الدَّجَّالِ) : وَالْجِوَارُ بِكَسْرِ الْجِيمِ، وَفِي آخِرِهِ رَاءٌ عَلَى مَا فِي نُسْخَةِ السَّيِّدِ وَالشَّيْخِ الْجَزَرِيِّ، وَكَثِيرٍ مِنَ النُّسَخِ الْمُصَحَّحَةِ، وَفِي بَعْضِهَا بِفَتْحِ الْجِيمِ وَزَايٍ فِي آخِرِهِ، وَهُوَ الصَّكُّ الَّذِي يَأْخُذُهُ الْمُسَافِرُ مِنَ السُّلْطَانِ أَوْ نُوَّابِهِ ; لِئَلَّا يَتَعَرَّضَ لَهُمُ الْمُتَرَصِّدَةُ فِي الطَّرِيقِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ شَارِحُ الْمَصَابِيحِ، وَذَكَرَهُ ابْنُ الْمَلَكِ ثُمَّ قَالَ: وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَبِالرَّاءِ، فَمَعْنَاهُ حَافِظُكُمْ، انْتَهَى.

وَفِي بَعْضِ شُرُوحِ الْبُرْدَةِ: الْجِوَارُ: بِالْكَسْرِ وَالضَّمِّ، وَالْكَسْرُ أَفْصَحُ هُوَ الْأَمَانُ، هَذَا وَالْمُتَبَادَرُ مِنْ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ أَنَّهَا رِوَايَةٌ لِمُسْلِمٍ، لَكِنْ صَرَّحَ الْجَزَرِيُّ فِي حِصْنِهِ بِأَنَّهَا رِوَايَةُ أَبِي دَاوُدَ عَنِ النَّوَّاسِ، لَكِنَّ لَفْظَهُ: «مَنْ أَدْرَكَ الدَّجَّالَ فَلْيَقْرَأْ عَلَيْهِ فَوَاتِحَهَا، فَإِنَّهَا جِوَارٌ لَهُ مِنْ فِتْنَتِهِ» ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ جَاءَ فِي الْحِصْنِ رِوَايَاتٌ مُتَعَدِّدَةٌ فِي هَذَا الْمَعْنَى ; حَيْثُ قَالَ: مَنْ قَرَأَهَا، أَيِ الْكَهْفَ، كَمَا أُنْزِلَتْ كَانَتْ لَهُ نُورًا مِنْ مَقَامِهِ إِلَى مَكَّةَ، وَمَنْ قَرَأَ بِعَشْرِ آيَاتٍ مِنْ آخِرِهَا فَخَرَجَ الدَّجَّالُ لَمْ يُسَلَّطْ عَلَيْهِ. رَوَاهُ النَّسَائِيُّ، وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، وَاللَّفْظُ لِلنَّسَائِيِّ وَقَالَ: رَفْعُهُ خَطَأٌ، وَالصَّوَابُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ. وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ أَيْضًا، وَاخْتُلِفَ فِي رَفْعِهِ وَوَقْفِهِ أَيْضًا، وَلَفْظُهُ: «مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الْكَهْفِ كَانَتْ لَهُ نُورًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ مَقَامِهِ إِلَى مَكَّةَ، وَمَنْ قَرَأَ بِعَشْرِ آيَاتٍ مِنْ آخِرِهَا، ثُمَّ خَرَجَ الدَّجَّالُ لَمْ يَضُرُّهُ» ، وَرَوَى مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُدَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ مَرْفُوعًا: " «مَنْ حَفِظَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِهَا عُصِمَ مِنَ الدَّجَّالِ» وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ عَنْهُ: " مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ "، وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>