للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَأَبِي دَاوُدَ عَنْهُ: " مَنْ حَفِظَ عَشْرَ آيَاتٍ "، وَالنَّسَائِيِّ عَنْهُ: " «مَنْ قَرَأَ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ مِنَ الْكَهْفِ عُصِمَ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ» "، وَفِي رِوَايَةٍ لِلتِّرْمِذِيِّ عَنْهُ: مَنْ قَرَأَ ثَلَاثَ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ الْكَهْفِ عُصِمَ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ ". وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ وَالْأَرْبَعَةِ عَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ: " مَنْ أَدْرَكَ الدَّجَّالَ فَلْيَقْرَأْ عَلَيْهِ فَوَاتِحَهَا " الْحَدِيثَ. قِيلَ: وَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَ الثَّلَاثِ وَبَيْنَ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ حَفِظَ عَشْرَ آيَاتٍ " ; أَنَّ حَدِيثَ الْعَشْرِ مُتَأَخِّرٌ، وَمَنْ عَمِلَ بِالْعَشْرِ فَقَدْ عَمِلَ بِالثَّلَاثِ، وَقِيلَ: حَدِيثُ الثَّلَاثِ مُتَأَخِّرٌ وَمَنْ عُصِمَ بِثَلَاثٍ، فَلَا حَاجَةَ إِلَى الْعَشْرِ، وَهَذَا أَقْرَبُ إِلَى أَحْكَامِ النَّسْخِ.

أَقُولُ ". بِمُجَرَّدِ الِاحْتِمَالِ لَا يُحْكَمُ بِالنَّسْخِ، مَعَ أَنَّ النَّسْخَ إِنَّمَا يَكُونُ فِي الْإِنْشَاءِ لَا فِي الْإِخْبَارِ، فَالْأَظْهَرُ أَنَّ أَقَلَّ مَا يُحْفَظُ بِهِ مِنْ شَرِّهِ قِرَاءَةُ الثَّلَاثِ، وَحِفْظُهَا أَوْلَى، وَهُوَ لَا يُنَافِي الزِّيَادَةَ، كَمَا لَا يَخْفَى. وَقِيلَ: حَدِيثُ الْعَشْرِ فِي الْحِفْظِ، وَحَدِيثُ الثَّلَاثِ فِي الْقِرَاءَةِ، فَمَنْ حَفِظَ الْعَشْرَ وَقَرَأَ الثَّلَاثَ كُفِيَ وَعُصِمَ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ، وَقِيلَ: مَنْ حَفِظَ الْعَشْرَ عُصِمَ مِنْ أَنْ لَقِيَهُ، وَمَنْ قَرَأَ الثَّلَاثَ عُصِمَ مِنْ فِتْنَتِهِ إِنْ لَمْ يَلْقَهُ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ مِنَ الْحِفْظِ الْقِرَاءَةُ عَنْ ظَهْرِ الْقَلْبِ، وَمِنَ الْعِصْمَةِ الْحِفْظُ مِنْ آفَاتِ الدَّجَّالِ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالْأَحْوَالِ.

(" إِنَّهُ ") أَيِ: الدَّجَّالَ (خَارِجٌ خَلَّةً ") : بِفَتْحِ مُعْجَمَةٍ وَتَشْدِيدِ لَامٍ أَيْ: طَرِيقًا وَاقِعًا، (" بَيْنَ الشَّامِ وَالْعِرَاقِ) ، وَأَصْلُهُ الطَّرِيقُ فِي الرَّمْلِ، وَقَالَ شَارِحٌ: أَيْ مِنْ سَبِيلٍ بَيْنَهُمَا، فَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهَا مَنْصُوبَةٌ بِنَزْعِ الْخَافِضِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي النِّهَايَةِ، أَيْ: فِي طَرِيقٍ بَيْنَهُمَا. قَالَ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: هَكَذَا هُوَ فِي نُسَخِ بِلَادِنَا، خَلَّةً بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَتَنْوِينِ التَّاءِ. وَقَالَ الْقَاضِي - رَحِمَهُ اللَّهُ: الْمَشْهُورُ فِيهِ حَلَّةَ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَنَصْبِ التَّاءِ يَعْنِي غَيْرَ مُنَوَّنَةٍ، وَمَعْنَاهُ: سَمْتُ ذَلِكَ وَقُبَالَتُهُ. قُلْتُ: الْمُنَاسِبُ أَنْ يَكُونَ هِيَ الْحَلَّةَ قَرْيَةً بِنَاحِيَةِ دِجْلَةَ مِنْ بَغْدَادَ، أَهْلُهَا شَرُّ مَنْ فِي الْبِلَادِ مِنَ الْعِمَادِ. قَالَ: وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ حُلَّهُ بِضَمِّ اللَّامِ وَبِهَاءِ الضَّمِيرِ، أَيْ: نُزُولُهُ وَحُلُولُهُ. قَالَ: وَكَذَا ذَكَرَهُ الْحُمَيْدِيُّ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا بِبِلَادِنَا، وَقَوْلُهُ: (" فَعَاثَ) : هُوَ بِعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ وَثَاءٍ مُثَلَّثَةٍ مَاضٍ مِنَ الْعَيْثِ، وَهُوَ أَشَدُّ الْفَسَادِ وَالْإِسْرَاعِ فِيهِ. وَحَكَى الْقَاضِي - رَحِمَهُ اللَّهُ: إِنَّهُ رَوَاهُ بَعْضُهُمْ فَعَاثَ، عَلَى صِيغَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ. قَالَ الْأَشْرَفُ: قِيلَ الصَّوَابُ فِيهِ فَعَاثَ بِصِيغَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ ; لِكَوْنِهِ عَطْفًا عَلَى اسْمِ فَاعِلٍ قَبْلَهُ، وَهُوَ خَارِجٌ. قُلْتُ: أَكْثَرُ النُّسَخِ، وَمِنْهَا أَصْلُ السَّيِّدِ عَلَى أَنَّهُ فِعْلٌ مَاضٍ مِنَ الْعَيْثِ، وَفِي بَعْضِهَا عَاثٍ كَقَاضٍ مِنَ الْعَثْيِ بِمَعْنَى الْعَيْثِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ الْمُوَافِقُ لِمَا فِي التَّنْزِيلِ مِنْ قَوْلِهِ: {وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ} [البقرة: ٦٠] ، وَلَكِنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ الصَّوَابُ خَطَأٌ ; إِذْ هُمَا لُغَتَانِ بِمَعْنَى الْإِفْسَادِ عَلَى مَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي كُتُبِ اللُّغَةِ، فَالْحَاصِلُ أَنَّ الدَّجَّالَ فَسَدَ أَوْ مُفْسِدٌ. (يَمِينًا، وَعَاثَ شِمَالًا ") ، وَهُمَا ظَرْفَا عَاثَ، وَالْمَعْنَى: يَبْعَثُ سَرَايَاهُ يَمِينًا وَشِمَالًا، وَلَا يَكْتَفِي بِالْإِفْسَادِ فِيمَا يَطَؤُهُ مِنَ الْبِلَادِ وَيَتَوَجَّهُ لَهُ مِنَ الْأَغْوَارِ وَالْأَنْجَادِ، فَلَا يَأْمَنُ مِنْ شَرِّهِ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَخْلُو مِنْ فِتْنَتِهِ مَوْطِنٌ وَلَا مَأْمَنٌ، (" يَا عِبَادَ اللَّهِ ") أَيْ: أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ الْمَوْجُودُونَ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ، أَوْ أَنْتُمْ أَيُّهَا الْمُخَاطَبُونَ عَلَى فَرْضِ أَنَّكُمْ تُدْرِكُونَ ذَلِكَ الْأَوَانَ، (" فَاثْبُتُوا) أَيْ: عَلَى دِينِكُمْ وَإِنْ عَاقَبَكُمْ.

قَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: هَذَا مِنَ الْخِطَابِ الْعَامِّ أَرَادَ بِهِ مَنْ يُدْرِكُ الدَّجَّالَ مِنْ أُمَّتِهِ، ثُمَّ قِيلَ: هَذَا الْقَوْلُ مِنْهُ اسْتِمَالَةٌ لِقُلُوبِ أُمَّتِهِ وَتَثْبِيتُهُمْ عَلَى مَا يُعَايِنُونَهُ مِنْ شَرِّ الدَّجَّالِ، وَتَوْطِينُهُمْ عَلَى مَا هُمْ فِيهِ مِنَ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ تَعَالَى وَاعْتِقَادِهِ وَتَصْدِيقِ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

(قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَمَا لَبْثُهُ) : بِفَتْحِ لَامٍ وَسُكُونِ مُوَحَّدَةٍ أَيْ: مَا قَدْرُ مُكْثِهِ وَتَوَقُّفِهِ (فِي الْأَرْضِ؟ قَالَ: أَرْبَعُونَ يَوْمًا ") ، وَسَيَأْتِي حَدِيثُ: يَمْكُثُ الدَّجَّالُ فِي الْأَرْضِ أَرْبَعِينَ سَنَةً، السَّنَةُ كَالشَّهْرِ إِلَى آخِرِهِ. لَكِنَّهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>