إِنَّا سَنُرْضِيكَ ; حَيْثُ أَتَى بِأَنْ وَضَمِيرِ التَّعْظِيمِ وَسِينِ التَّأْكِيدِ، ثُمَّ أَتْبَعَهُ بِقَوْلِهِ: لَا نَسُوءُكَ تَقْرِيرًا بَعْدَ تَقْرِيرٍ عَلَى الطَّرْدِ وَالْعَكْسِ وَفِي التَّنْزِيلِ: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} [الضحى: ٥] زِيدَ لَامُ الِابْتِدَاءِ عَلَى حَرْفِ الِاسْتِقْبَالِ وَلَفْظَةِ: رَبُّكَ، وَجُمِعَ بَيْنَ حَرْفَيِ التَّأْكِيدِ وَالتَّأْخِيرِ ; فَيَكُونُ الْمَعْنَى: وَلَأَنْتَ سَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ، وَإِنْ تَأَخَّرَ الْعَطَاءُ، وَقَوْلُهُ: وَرَبُّكَ أَعْلَمُ مِنْ بَابِ التَّتْمِيمِ صِيَانَةً عَمَّا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُتَوَهَّمَ، فَهُوَ كَقَوْلِهِ: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ} [المنافقون: ١] فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} [المنافقون: ١] .
قَالَ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: هَذَا الْحَدِيثُ مُشْتَمِلٌ عَلَى أَنْوَاعٍ مِنَ الْفَوَائِدِ، مِنْهَا: بَيَانُ كَمَالِ شَفَقَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أُمَّتِهِ، وَاعْتِنَائِهِ بِمَصَالِحِهِمْ، وَاهْتِمَامِهِ فِي أَمْرِهِمْ، وَمِنْهَا: الْبِشَارَةُ الْعَظِيمَةُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ الْمَرْحُومَةِ بِمَا وَعَدَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ: سَنُرْضِيكَ فِي أُمَّتِكَ وَلَا نَسُوءُكَ، وَهَذَا مِنْ أَرْجَى الْأَحَادِيثِ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ، وَمِنْهَا: بَيَانُ عِظَمِ مَنْزِلَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْحِكْمَةِ فِي إِرْسَالِ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِسُؤَالِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِظْهَارًا لِشَرَفِهِ، وَأَنَّهُ بِالْمَحَلِّ الْأَعْلَى ; فَيَرْضَى وَيُكْرَمُ. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) ، وَكَذَا الْبُخَارِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، ذَكَرَهُ السَّيِّدُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute