٥٧١٣ - وَعَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «جَاءَ مَلَكُ الْمَوْتِ إِلَى مُوسَى ابْنِ عِمْرَانَ، فَقَالَ لَهُ: أَجِبْ رَبَّكَ ". قَالَ: " فَلَطَمَ مُوسَى عَيْنَ مَلَكَ الْمَوْتِ فَفَقَأَهَا ". قَالَ: " فَرَجَعَ الْمَلَكُ إِلَى اللَّهِ، فَقَالَ: إِنَّكَ أَرْسَلْتَنِي إِلَى عَبْدٍ لَكَ لَا يُرِيدُ الْمَوْتَ، وَقَدْ فَقَأَ عَيْنِي " قَالَ: " فَرَدَّ اللَّهُ إِلَيْهِ عَيْنَهُ، وَقَالَ: ارْجِعْ إِلَى عَبْدِي فَقُلْ: الْحَيَاةَ تُرِيدُ؟ فَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْحَيَاةَ فَضَعْ يَدَكَ عَلَى مَتْنِ ثَوْرٍ، فَمَا تَوَارَتْ يَدُكَ مِنْ شَعْرِهِ فَإِنَّكَ تَعِيشُ بِهَا سَنَةً، قَالَ: ثُمَّ مَهْ؟ ، قَالَ: ثُمَّ تَمُوتُ. قَالَ: فَالْآنَ مِنْ قَرِيبٍ، رَبِّ أَدْنِنِي مِنَ الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ رَمْيَةً بِحَجَرٍ ". قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَاللَّهِ لَوْ أَنِّي عِنْدَهُ لَأَرَيْتُكُمْ قَبْرَهُ إِلَى جَنْبِ الطَّرِيقِ عِنْدَ الْكَثِيبِ الْأَحْمَرِ» ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ــ
٥٧١٣ - (وَعَنْهُ) أَيْ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (" جَاءَ مَلَكُ الْمَوْتِ ") أَيْ: فِي صُورَةِ بَشَرٍ (إِلَى مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ فَقَالَ لَهُ) أَيْ: لِمُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ (أَجِبْ رَبَّكَ) أَيْ: بِقَبُولِ الْمَوْتِ، وَالْمَعْنَى إِنِّي جِئْتُكَ لِأَقْبِضَ رُوحَكَ (قَالَ) أَيْ: النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (فَلَطَمَ مُوسَى عَيْنَ مَلَكِ الْمَوْتِ) أَيْ: ضَرَبَهَا بِبَاطِنِ كَفِّهِ (فَفَقَأَهَا) . بِفَاءٍ فَقَافٍ فَهَمْزَةٍ مَفْتُوحَاتٍ أَيْ: فَشَقَّهَا وَقَلَعَهَا وَأَعْمَاهَا. قِيلَ: الْمَلَائِكَةُ يَتَصَوَّرُونَ بِصُورَةِ الْإِنْسَانِ، وَتِلْكَ الصُّورَةُ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِمْ كَالْمَلَابِسِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْإِنْسَانِ، وَاللَّطْمَةُ إِنَّمَا أَثَّرَتْ فِي الْعَيْنِ الصُّورِيَّةِ لَا فِي الْعَيْنِ الْمَلَكِيَّةِ، فَإِنَّهَا غَيْرُ مُتَأَثِّرَةٍ بِاللَّطْمَةِ وَغَيْرِهَا.
قَالَ شَارِحٌ: وَإِنَّمَا لَطَمَهَا مُوسَى لِإِقْدَامِهِ عَلَى قَبْضِ رَوْحِهِ قَبْلَ التَّخْيِيرِ، وَالْأَنْبِيَاءُ كَانُوا مُخَيَّرِينَ عِنْدَ اللَّهِ آخِرَ الْأَمْرِ بَيْنَ الْحَيَاةِ وَالْوَفَاةِ، وَسَيَأْتِي زِيَادَةُ تَحْقِيقٍ لِذَلِكَ. (قَالَ: " «فَرَجَعَ الْمَلَكُ إِلَى اللَّهِ، فَقَالَ: إِنَّكَ أَرْسَلْتَنِي إِلَى عَبْدٍ لَكَ لَا يُرِيدُ الْمَوْتَ، فَقَدْ فَقَأَ عَيْنِي» ". قَالَ: " «فَرَدَّ اللَّهُ إِلَيْهِ عَيْنَهُ، وَقَالَ: ارْجِعْ إِلَى عَبْدِي» ) : قَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنْ قُلْتَ أَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ قَوْلِ الْمَلَكِ عَبْدٍ لَكَ عَلَى التَّنْكِيرِ، وَبَيْنَ قَوْلِ اللَّهِ عَبْدِي؟ قُلْتُ: دَلَّ قَوْلُ الْمَلَكِ عَلَى نَوْعِ طَعْنٍ فِيهِ حَيْثُ نَكَّرَهُ، وَبَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ: لَا يُرِيدُ الْمَوْتَ، وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: دَلَّ عَلَى تَفْخِيمِ شَأْنِهِ وَتَعْظِيمِ مَكَانِهِ حَيْثُ أَضَافَهُ إِلَى نَفْسِهِ رَدًّا عَلَيْهِ. (فَقَالَ: الْحَيَاةَ) : بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولُ قَوْلِهِ (تُرِيدُ) ؟ عَلَى تَقْدِيرِ الِاسْتِفْهَامِ قَبْلَ الْفِعْلِ، أَوِ الْمَفْعُولِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقْرَأَ: الْحَيَاءَ بِهَمْزَةٍ مَمْدُودَةٍ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ} [الأنعام: ١٤٣] فَالتَّقْدِيرُ الْحَيَاةَ تُرِيدُ أَمِ الْمَوْتَ؟ ثُمَّ فَصَّلَهُ بِقَوْلِهِ: (فَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْحَيَاةَ) أَيْ: الطَّوِيلَةَ إِذِ الْمُؤَبَّدَةُ غَيْرُ مُتَصَوَّرَةٍ فِي الدُّنْيَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} [آل عمران: ١٨٥] (فَضَعْ يَدَكَ) أَيْ: وَاحِدَةً أَوِ اثْنَتَيْنِ (عَلَى مَتْنِ ثَوْرٍ) أَيْ: عَلَى ظَهْرِ بَقَرَةٍ (فَمَا تَوَارَتْ) : وَفِي نُسْخَةٍ: فَمَا وَارَتْ (يَدُكَ) : بِالرَّفْعِ وَفِي نُسْخَةٍ بِالنَّصْبِ وَقَوْلُهُ: (مِنْ شَعْرَةٍ) : بَيَانٌ لَهَا، وَفِي نُسْخَةٍ: مِنْ شَعْرِهِ بِالضَّمِيرِ أَيْ: مِنْ شَعْرِ مَتْنِ الثَّوْرِ (فَإِنَّكَ تَعِيشُ بِهَا) أَيْ: بِكُلِّ شَعْرَةٍ مُتَوَارِيَةٍ (سَنَةً) ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ يُقَالُ: وَارَاهُ الشَّيْءُ أَيْ سَتَرَهُ، وَتَوَارَى أَيِ اسْتَتَرَ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ} [النحل: ٥٩] فَقَالَ شَارِحٌ قَوْلُهُ: فَمَا تَوَارَتْ غَلَطٌ وَقَعَ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ فِي كِتَابِ مُسْلِمٍ، وَفِي كِتَابِ الْبُخَارِيِّ، فَلَهُ بِمَا غَطَّتْ يَدُهُ بِكُلِّ شَعْرَةٍ سَنَةٌ. وَقَالَ الْقَاضِي: فَمَا تَوَارَتْ يَدُكَ، هَكَذَا مَذْكُورٌ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، وَلَعَلَّ الظَّاهِرَ فَمَا وَارَتْ يَدُكَ بِالرَّفْعِ، وَأَخْطَأَ بَعْضُ الرُّوَاةِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ: فَلَهُ بِمَا غَطَّتْ يَدُكَ بِكُلِّ شَعْرَةٍ سَنَةٌ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ يَدُكَ مَنْصُوبًا بِنَزْعِ الْخَافِضِ، وَفِي تَوَارَتْ ضَمِيرُ رَفْعٍ فَأَنَّثَهُ لِكَوْنِهِ مُفَسَّرًا بِالشَّعْرَةِ. قَالَ الطِّيبِيُّ قَوْلُهُ: مِنْ شَعْرَةٍ بَيَانُ " مَا " وَالضَّمِيرُ فِيهِ رَاجِعٌ إِلَى مَتْنِ ثَوْرٍ، وَمَا وَارَتْ يَدُهُ قِطْعَةٌ مِنْهُ، فَأَنَّثَهُ بِاعْتِبَارِ الْقِطْعَةِ أَيْ الْقِطْعَةِ الَّتِي تَوَارَتْ بِيَدِكَ أَوْ تَحْتَ يَدِكَ انْتَهَى. وَقِيلَ: التَّاءُ الْأُولَى زَائِدَةٌ لِأَنَّ مَعْنَاهُ وَارَتْ أَيْ غَطَّتْ، ذَكَرَهُ الْأَكْمَلُ.
(قَالَ) أَيْ: مُوسَى (ثُمَّ مَهْ) ؟ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْهَاءِ، وَأَصْلُهُ مَا حُذِفَتْ أَلِفُهُ، وَوُقِفَ عَلَيْهِ بِالْهَاءِ لِلتَّعَذُّرِ بَيْنَ الْحَرَكَةِ وَالسُّكُونِ. قَالَ النَّوَوِيُّ: هِيَ هَاءُ السَّكْتِ، وَمَا: اسْتِفْهَامِيَّةٌ أَيْ: ثُمَّ مَاذَا يَكُونُ أَحَيَاةٌ أَمْ مَوْتٌ؟ (قَالَ: ثُمَّ تَمُوتُ. قَالَ: فَالْآنَ مِنْ قَرِيبٍ) ، أَيْ فَأَخْتَارُ الْمَوْتَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ (رَبِّ أَدْنِنِي) : أَمْرٌ مِنَ الْإِدْنَاءِ أَيْ قَرِّبْنِي (مِنَ الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ) : وَلَعَلَّهُ أَرَادَ أَفْضَلَ مَوَاضِعِهَا وَهُوَ الْمُسَمَّى بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ الَّذِي كَانَ فِيهِ قِبْلَةُ الْأَنْبِيَاءِ، وَإِلَّا فَالْأَرْضُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute