قَالَ: وَمَا اخْتَارَهُ الشَّيْخُ الشَّارِحُ فِي الْجَوَابِ أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَأْذُونًا فِي حَقِّ اللَّطْمَةِ، وَيَكُونَ ذَلِكَ امْتِحَانًا لِلْمَلْطُومِ، فَلَا يَخْفَى بُعْدُهُ، وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ: يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ الْإِيمَانُ بِهِ عَلَى مَا جَاءَ بِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْتَبِرَهُ بِمَا جَرَى عَلَيْهِ عُرْفُ الْبَشَرِ، فَيَقَعُ فِي الِارْتِيَابِ، لِأَنَّهُ أَمَرٌ مَصْدَرُهُ قُدْرَةُ اللَّهِ تَعَالَى وَحُكْمُهُ، وَهُوَ مُجَادَلَةٌ جَرَتْ بَيْنَ مَلَكٍ كَرِيمٍ وَنَبِيٍّ كَلِيمٍ، كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَخْصُوصٌ بِصِفَةٍ يَخْرُجُ بِهَا عَنْ حُكْمِ عَوَامِّ الْبَشَرِ وَمَجَارِي عَادَاتِهِمْ فِي الْمَعْنَى الَّذِي خُصَّ بِهِ، فَلَا يُعْتَبَرُ حَالُهُمَا بِحَالِ غَيْرِهِمَا، وَقَدِ اصْطَفَى اللَّهُ - تَعَالَى مُوسَى بِالْمُعْجِزَاتِ الْبَاهِرَةِ وَالْآيَاتِ الظَّاهِرَةِ، فَلَمَّا دَنَتْ وَفَاتُهُ وَهُوَ بِشَرٌ يَكْرَهُ الْمَوْتَ طَبْعًا لَطَفَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ بِأَنْ لَمْ يُفَاتِحْهُ بَغْتَةً، وَلَمْ يَأْمُرِ الْمَلَكَ الْمُوَكَّلَ بِهِ بِأَنْ يَأْخُذَهُ قَهْرًا، بَلْ أَرْسَلَهُ عَلَى سَبِيلِ الِامْتِحَانِ فِي صُورَةِ بَشَرٍ، فَلَمَّا رَآهُ مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ السَّلَامُ اسْتَنْكَرَ شَأْنَهُ، وَاسْتَوْعَرَ مَكَانَهُ احْتَجَزَ مِنْهُ دَفْعًا عَنْ نَفْسِهِ بِمَا كَانَ مِنْ صَكِّهِ إِيَّاهُ، فَأَتَى ذَلِكَ عَلَى عَيْنِهِ الَّتِي رُكِّبَتْ فِي الصُّورَةِ الْبَشَرِيَّةِ، وَقَدْ كَانَ فِي طَبْعِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ حِدَّةٌ عَلَى مَا قَصَّ اللَّهُ عَلَيْنَا مِنْ أَمْرِهِ فِي كِتَابِهِ؟ مِنْ وَكْزِهِ الْقِبْطِيَّ، وَإِلْقَائِهِ الْأَلْوَاحَ، وَأَخْذِهِ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ، هَذَا وَقَدْ جَرَتْ سُنَّةُ الدِّينِ بِدَفْعِ كُلِّ قَاصِدِ سُوءٍ، وَقَدْ ذَكَرَ الْخَطَّابِيُّ هَذَا الْمَعْنَى فِي كِتَابِهِ رَدًّا عَلَى مَنْ طَعَنَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، وَأَمْثَالِهِ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ الْمُلْحِدِينَ أَبَادَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute