للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا فِي الطَّلَاقِ وَغَيْرِهِ فَلَيْسَ لِإِخْبَارِهَا مُنَازِعٌ؛ لِأَنَّ أَحَدًا لَا يَقُولُ أَنَّهُ لَمْ يُطَلِّقْهَا وَالزَّوْجُ غَائِبٌ فَقُبِلَ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ إخْبَارُ ثِقَةٍ فِي الدِّيَانَاتِ.

٤٠٨ - وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا أَقَرَّ بَيْنَ يَدَيْ رَجُلٍ: أَنِّي قَتَلْتُ أَبَاكَ عَمْدًا، وَسِعَهُ أَنْ يَقْتُلَهُ بِإِقْرَارِهِ.

وَلَوْ شَهِدَ عِنْدَهُ شَاهِدَانِ أَنَّهُ قَتَلَ أَبَاهُ عَمْدًا لَمْ يَكُنْ لِلِابْنِ أَنْ يَقْتُلَهُ إلَّا بِقَضَاءِ الْقَاضِي.

وَالْفَرْقُ أَنَّهُ وُجِدَ مَا يُوجِبُ الْحَقَّ؛ لِأَنَّ نَفْسَ الْإِقْرَارِ يُوجِبُ الْحَقَّ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْقَاضِي اجْتِهَادٌ فِي قَبُولِهِ وَرَدِّهِ، وَلِهَذَا قَالَ أَصْحَابُنَا: لَوْ أَنَّ إنْسَانًا يُقِرُّ لِأَحَدٍ بِدَيْنٍ وَسِعَهُ أَنْ يُشْهِدَ عَلَى إقْرَارِهِ؛ لِأَنَّهُ عَايَنَ مَا يُوجِبُ الْحَقَّ، وَبِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ رَجَعَ عَنْ الْإِقْرَارِ لَا يَصِحُّ، فَقَدْ عَلِمَ مَا يُوجِبُ الْحَقَّ لَهُ، فَكَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ كَمَا لَوْ شَاهَدَ الْقَتْلَ.

وَلَيْسَتْ كَذَلِكَ الشَّهَادَةُ؛ لِأَنَّ نَفْسَ الشَّهَادَةِ لَا تُوجِبُ الْحَقَّ، بِدَلِيلِ أَنَّ لِلْقَاضِي اجْتِهَادًا فِي قَبُولِهَا وَرَدِّهَا، وَيَصِحُّ الرُّجُوعُ عَنْهَا.

وَلِهَذَا قُلْنَا: إنَّهُ لَوْ رَأَى رَجُلًا يَشْهَدُ آخَرُ عَلَى شَهَادَتِهِ لَمْ يَسَعْ لِهَذَا أَنْ يَشْهَدَ عَلَى شَهَادَتِهِ مَا لَمْ يَشْهَدْهُ فِي نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ نَفْسَ الشَّهَادَةِ لَا تُوجِبُ الْحَقَّ، فَلَمْ يُوجَدْ مَا يُوجِبُ الْقَتْلَ، فَلَمْ يَجُزْ لَهُ قَتْلُهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>