للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَالْفَرْقُ أَنَّ الْوَصِيَّةَ قَرِينَةُ الْإِرْثِ، بِدَلِيلِ أَنَّهَا تَجِبُ بِمَا يَجِبُ بِهِ الْإِرْثُ وَتَسْقُطُ بِمَا يَسْقُطُ بِهِ الْإِرْثُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَوْجَبَ الْمِيرَاثَ فِي الْمَالِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: {إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ} [البقرة: ١٨٠] جَاءَ فِي التَّفْسِيرِ مَالًا فَقَدْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ فَقَدْ عَقَدَ عَقْدًا لَهُ مِثَالٌ فِي الشَّرْعِ، فَانْصَرَفَ إلَى مَا لَهُ مِثْلٌ فِي الشَّرْعِ، وَمَا مِثْلَ لَهُ فِي الشَّرْعِ مِنْ إيجَابِ الْحَقِّ فِي الْمَالِ، وَهُوَ الْمِيرَاثُ يُرَاعَى مَالُهُ وَقْتَ الْمَوْتِ كَذَلِكَ فِي الْوَصِيَّةِ.

وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي الْغَنَمِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ قَرِينَةُ الْإِرْثِ وَاَللَّهُ تَعَالَى لَمْ يُوجِبْ الْإِرْثَ فِي نَوْعٍ خَاصٍّ، فَإِذَا أَضَافَ إلَى نَوْعٍ خَاصٍّ وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ فَقَدْ أَوْجَبَ الْحَقَّ فِي مَعْدُومٍ، فَلَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ؛ وَلِأَنَّهُ إذَا أَوْصَى بِالْغَنَمِ فَقَدْ أَضَافَ الْوَصِيَّةَ إلَى جِهَةٍ خَاصَّةٍ، فَصَارَ الْمُرَادُ بِهِ الْمَوْجُودُ دُونَ الْحَادِثِ، كَمَا لَوْ وَكَّلَهُ بِقَبْضِ دَيْنِهِ الَّذِي عَلَى فُلَانٍ اخْتَصَّ بِالدَّيْنِ الْمَوْجُودِ عَلَيْهِ دُونَ الدَّيْنِ الْحَادِثِ.

وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا قَالَ: بِثُلُثِ مَالِي؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْوَصِيَّةَ إلَى جِهَةٍ عَامَّةٍ؛ لِأَنَّ الْمَالَ اسْمٌ لِمَا يُتَمَوَّلُ فَيَتَنَاوَلُ الْمَوْجُودَ وَالْحَادِثَ، كَمَا لَوْ وَكَّلَ وَكِيلًا بِقَبْضِ دُيُونِهِ وَرَفْعِ غَلَّاتِهِ يَتَنَاوَلُ ذَلِكَ الْإِذْنَ الْمَوْجُودَ وَالْحَادِثَ جَمِيعًا كَذَلِكَ هَذَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>