للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثُمَّ يَسَارُ الْمُعْتِقُ وَإِعْسَارُهُ يُعْتَبَرُ وَقْتَ الْإِعْتَاقِ حَتَّى لَوْ كَانَ مُعْسِرًا وَقْتَ الْإِعْتَاقِ لَا يَضْمَنُ وَإِنْ أَيْسَرَ بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ وَقْتُ وُجُوبِ الضَّمَانِ فَيُعْتَبَرُ ذَلِكَ الْوَقْتُ كَضَمَانِ الْإِتْلَافِ وَالْغَصْبِ، وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ فَإِنْ كَانَ اخْتِلَافُهُمَا حَالَ الْإِعْتَاقِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُعْتِقِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ هُوَ الْفَقْرُ وَالْغِنَى عَارِضٌ فَكَانَ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لِلْمُعْتِقِ وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْآخَرِ؛ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ زِيَادَةً، وَإِنْ كَانَ الْإِعْتَاقُ مُتَقَدِّمًا وَاخْتَلَفَا فَقَالَ الْمُعْتِقُ: أَعْتَقْتُ عَامَ الْأَوَّلِ وَأَنَا مُعْسِرٌ ثُمَّ أَيْسَرْتُ، فَيُعْتَبَرُ ذَلِكَ الْوَقْتُ، وَقَالَ الْآخَرُ: بَلْ أَعْتَقْتُهُ عَامَ الْأَوَّلِ وَأَنْتَ مُوسِرٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُعْتِقِ وَعَلَى الشَّرِيكِ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ؛ لِأَنَّ حَالَةَ اعْتِبَارِ الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ شَاهِدٌ لِلْمُعْتِقِ فَيَحْكُمُ الْحَالُ، كَمَا إذَا اخْتَلَفَ صَاحِبُ الرَّحَى وَالطَّحَّانُ فِي انْقِطَاعِ الْمَاءِ وَجَرَيَانِهِ، أَنَّهُ يَحْكُمُ الْحَالُ، كَذَا هَهُنَا.

وَقَدْ قَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي عَبْدَيْنِ بَيْنَ رَجُلَيْنِ قَالَ أَحَدُهُمَا: أَحَدَكُمَا حُرٌّ وَهُوَ فَقِيرٌ، ثُمَّ اسْتَغْنَى ثُمَّ اخْتَارَ أَنْ يُوقِعَ الْعِتْقَ عَلَى أَحَدِهِمَا، ضَمِنَ نِصْفَ قِيمَتِهِ يَوْمَ الْعِتْقِ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَخْتَارَ وَقَدْ اسْتَغْنَى قَبْلَ مَوْتِهِ، ضَمِنَ رُبُعَ قِيمَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إنَّمَا أَنْظُرُ إلَى حَالِهِ يَوْمَ أَوْقَعَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ كَاتَبَ نَصِيبَهُ مِنْ الْعَبْدِ ثُمَّ أَدَّى الْعَبْدُ فَيَعْتِقُ ثُمَّ إنَّمَا أَنْظُرُ إلَى حَالِ مَوْلَاهُ يَوْمَ عَتَقَ الْمُكَاتَبَ وَلَا أَنْظُرُ إلَى حَالِهِ يَوْمَ كَاتَبَ وَهَذَا عَلَى أَصْلِهِ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ إضَافَةَ الْعِتْقِ إلَى الْمَجْهُولِ تَعْلِيقٌ لِعِتْقِ عَبْدِهِ بِشَرْطِ الِاخْتِيَارِ كَأَنَّهُ عَلَّقَهُ بِهِ نَصًّا فَيُعْتَبَرُ حَالُهُ يَوْمَ الِاخْتِيَارِ؛ لِأَنَّهُ يَوْمَ الْعِتْقِ كَمَا لَوْ قَالَ لِعَبْدٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ: إنْ دَخَلْتَ الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ، فَدَخَلَ أَنَّهُ يَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِهِ يَوْمَ دَخَلَ الدَّارَ لَا يَوْمَ الْيَمِينِ؛ لِأَنَّ يَوْمَ الدُّخُولِ هُوَ يَوْمُ الْعِتْقِ.

وَأَمَّا عَلَى أَصْلِ مُحَمَّدٍ فَإِضَافَةُ الْعِتْقِ إلَى الْمَجْهُولِ تَنْجِيزٌ، وَإِنَّمَا الِاخْتِيَارُ تَعْيِينٌ لِمَنْ وَقَعَ عَلَيْهِ الْعِتْقُ فَيُعْتَبَرُ صِفَةُ الْعِتْقِ فِي يَسَارِهِ وَإِعْسَارِهِ يَوْمَ التَّكَلُّمِ بِالْعِتْقِ وَكَذَا يُعْتَبَرُ قِيمَةُ الْعَبْدِ فِي الضَّمَانِ وَالسِّعَايَةِ يَوْمَ الْإِعْتَاقِ حَتَّى لَوْ عُلِمَتْ قِيمَتُهُ يَوْمَ أَعْتَقَ ثُمَّ ازْدَادَتْ أَوْ انْتَقَصَتْ أَوْ كَاتَبَ أَمَةً فَوَلَدَتْ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى ذَلِكَ وَيُضَمِّنُهُ قِيمَتَهُ يَوْمَ أَعْتَقَهُ؛ لِأَنَّهُ يَوْمُ وُجُوبِ الضَّمَانِ فَيَعْتَبِرُ قِيمَتَهُ يَوْمَئِذٍ كَمَا فِي الْغَصْبِ وَالْإِتْلَافِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمَا ذَلِكَ وَاخْتَلَفَا فَجُمْلَةُ الْكَلَامِ فِيهِ أَنَّ الْعَبْدَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ قَائِمًا وَقْتَ الْخُصُومَةِ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ هَالِكًا اتَّفَقَا عَلَى حَالِ الْمُعْتِقِ أَوْ اخْتَلَفَا فِيهَا، وَالْأَصْلُ فِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ أَنَّ الْحَالَ إنْ كَانَتْ تَشْهَدُ لِأَحَدِهِمَا، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْحَالَ شَاهِدٌ صَادِقٌ أَصْلُهُ مَسْأَلَةُ الطَّاحُونَةِ وَإِنْ كَانَتْ لَا تَشْهَدُ لِأَحَدِهِمَا، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُعْتِقِ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ، فَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ قَائِمًا وَقْتَ الْخُصُومَةِ وَاتَّفَقَا عَلَى الْعِتْقِ فِي الْحَالِ وَاخْتَلَفَا فِي قِيمَتِهِ بِأَنْ قَالَ الْمُعْتِقُ: قَدْ أَعْتَقْتُهُ الْيَوْمَ وَقِيمَتُهُ كَذَا، وَقَالَ شَرِيكُهُ: نَعَمْ أَعْتَقْتَهُ الْيَوْمَ إلَّا أَنَّ قِيمَتَهُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ يُرْجَعُ إلَى قِيمَتِهِ لِلْحَالِ وَلَا يُعْتَبَرُ التَّحَالُفُ وَالْبَيِّنَةُ؛ لِأَنَّ الْحَالَ أَصْدَقُ، وَكَذَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي حَالِ الْعِتْقِ فَقَالَ الْمُعْتِقُ: أَعْتَقْتُهُ قَبْلَ هَذَا وَكَانَتْ قِيمَتُهُ كَذَا، وَقَالَ الْآخَرُ: أَعْتَقْتَهُ الْيَوْمَ وَقِيمَتُهُ أَكْثَرُ، أَوْ قَالَ الْمُعْتِقُ: أَعْتَقْتُهُ الْيَوْمَ وَقِيمَتُهُ كَذَا، وَقَالَ الْآخَرُ: بَلْ أَعْتَقْتَهُ قَبْلَ ذَلِكَ وَقِيمَتُهُ كَانَتْ أَكْثَرُ رَجَعَ إلَى قِيمَتِهِ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّ الْحَالَ إذَا شَهِدَتْ لِأَحَدِهِمَا فَالظَّاهِرُ أَنَّ قِيمَتَهُ كَانَتْ كَذَلِكَ وَقْتَ الْإِعْتَاقِ، إذْ الْأَصْلُ دَوَامُ الْحَالِ وَالتَّغَيُّرُ خِلَافُ الْأَصْلِ فَكَانَ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لَهُ فَأَشْبَهَ اخْتِلَافَ صَاحِبِ الطَّاحُونَةِ مَعَ الطَّحَّانِ فِي انْقِطَاعِ الْمَاءِ وَجَرَيَانِهِ أَنَّهُ يَحْكُمُ الْحَالُ فِيهِ، كَذَا هَذَا.

وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّ الْعِتْقَ كَانَ مُتَقَدِّمًا عَلَى زَمَانِ الْخُصُومَةِ لَكِنْ قَالَ الْمُعْتِقُ: قِيمَتُهُ كَانَتْ كَذَا شَهِدْت وَقَالَ الشَّرِيكُ: بَلْ كَانَتْ أَكْثَرَ، فَهَهُنَا لَا يُمْكِنُ تَحْكِيمُ الْحَالِ الرُّجُوعِ إلَى قِيمَةِ الْعَبْدِ فِي الْحَالِ لِأَنَّهَا تَزِيدُ وَتَنْقُصُ فِي الْمُدَّةِ وَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُعْتِقُ؛ لِأَنَّ الشَّرِيكَ يَدَّعِي عَلَيْهِ زِيَادَةَ ضَمَانٍ وَهُوَ يُنْكِرُ؛ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ كَالْمُتْلِفِ وَالْغَاصِبِ، وَقَالُوا فِي الشُّفْعَةِ: إذَا احْتَرَقَ الْبِنَاءُ وَاخْتَلَفَ الشَّفِيعُ وَالْمُشْتَرِي فِي قِيمَتِهِ وَقِيمَةِ الْأَرْضِ: إنَّ الْمَرْجِعَ إلَى قِيمَةِ الْأَرْضِ فِي الْحَالِ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي فِي الْبِنَاءِ؛ لِأَنَّ الشَّفِيعَ يُرِيدُ أَنْ يَتَمَلَّكَ عَلَيْهِ الْأَرْضَ بِالشُّفْعَةِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَمَلَّكَهَا إلَّا بِقَوْلِهِ، فَأَمَّا الْمُعْتِقُ فَلَا يُرِيدُ أَنْ يَتَمَلَّكَ عَلَى شَرِيكِهِ وَإِنَّمَا شَرِيكُهُ يَدَّعِي عَلَيْهِ زِيَادَةَ ضَمَانٍ، وَهُوَ يُنْكِرُ وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ الْعَبْدُ هَالِكًا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُعْتِقِ؛ لِمَا قُلْنَا: إنَّهُ مُنْكِرٌ لِلزِّيَادَةِ، وَاَللَّهُ ﷿ أَعْلَمُ.

فَإِنْ هَلَكَ الْعَبْدُ قَبْلَ أَنْ يَخْتَارَ الشَّرِيكُ الَّذِي لَمْ يُعْتِقْ شَيْئًا هَلْ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُعْتِقَ إذَا كَانَ مُوسِرًا؟ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِيهِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَوَى مُحَمَّدٌ عَنْهُ وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ وَإِحْدَى رِوَايَتَيْ أَبِي يُوسُفَ، أَنَّ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَّ الْمُعْتِقَ، وَرَوَى أَبُو يُوسُفَ رِوَايَةً أُخْرَى عَنْهُ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَى الْمُعْتِقِ، وَجْهُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ تَضْمِينَ الْمُعْتِقِ ثَبَتَ نَصًّا

<<  <  ج: ص:  >  >>