لِقَوْلِهِ ﵎ ﴿فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ - وَمَا لَكُمْ أَلا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ﴾ [الأنعام: ١١٨ - ١١٩] مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ اسْمٍ وَاسْمٍ، وَقَوْلِهِ عَزَّ شَأْنُهُ ﴿وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ﴾ [الأنعام: ١٢١] ؛ لِأَنَّهُ إذَا ذَكَرَ اسْمًا مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ ﵎ لَمْ يَكُنْ الْمَأْكُولُ مِمَّا لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَلَمْ يَكُنْ مُحَرَّمًا، وَسَوَاءٌ قَرَنَ بِالِاسْمِ الصِّفَةَ بِأَنْ قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَجَلُّ اللَّهَ، أَعْظَمُ اللَّهَ الرَّحْمَنَ اللَّهَ الرَّحِيمَ وَنَحْوُ ذَلِكَ، أَوْ لَمْ يَقْرِنْ بِأَنْ قَالَ: اللَّهَ أَوْ الرَّحْمَنَ أَوْ الرَّحِيمَ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ الْمَشْرُوطُ بِالْآيَةِ عَزَّ شَأْنُهُ وَقَدْ وُجِدَ.
وَكَذَا فِي حَدِيثِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ ﵄ «إذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ الْمُعَلَّمَ وَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلْ» مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ اسْمٍ وَاسْمٍ وَكَذَا التَّهْلِيلُ وَالتَّحْمِيدُ وَالتَّسْبِيحُ سَوَاءٌ كَانَ جَاهِلًا بِالتَّسْمِيَةِ الْمَعْهُودَةِ أَوْ عَالِمًا بِهَا لِمَا قُلْنَا، وَهَذَا ظَاهِرٌ عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ ﵄ فِي تَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ أَنَّهُ يَصِيرُ شَارِعًا فِي الصَّلَاةِ بِلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ أَوْ الْحَمْدِ لِلَّهِ أَوْ سُبْحَانَ اللَّهِ فَهَهُنَا أَوْلَى.
وَأَمَّا عَلَى أَصْلِ أَبِي يُوسُفَ ﵀ فَلَا يَصِيرُ شَارِعًا بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ وَتَصِحُّ بِهَا عِنْدَهُ فَيَحْتَاجُ هُوَ إلَى الْفَرْقِ وَالْفَرْقُ لَهُ أَنَّ الشَّرْعَ مَا وَرَدَ هُنَاكَ إلَّا بِلَفْظِ التَّكْبِيرِ وَهَهُنَا وَرَدَ بِذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى، وَسَوَاءٌ كَانَتْ التَّسْمِيَةُ بِالْعَرَبِيَّةِ أَوْ بِالْفَارِسِيَّةِ أَوْ أَيِّ لِسَانٍ كَانَ وَهُوَ لَا يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ أَوْ يُحْسِنُهَا.
كَذَا رَوَى بِشْرٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَوْ أَنَّ رَجُلًا سَمَّى عَلَى الذَّبِيحَةِ بِالرُّومِيَّةِ أَوْ بِالْفَارِسِيَّةِ وَهُوَ يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ أَوْ لَا يُحْسِنُهَا أَجْزَأَهُ ذَلِكَ عَنْ التَّسْمِيَةِ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ فِي الْكِتَابِ الْعَزِيزِ وَالسُّنَّةِ ذِكْرُ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى مُطْلَقًا عَنْ الْعَرَبِيَّةِ وَالْفَارِسِيَّةِ وَهَذَا ظَاهِرٌ عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ﵀ فِي اعْتِبَارِهِ الْمَعْنَى دُونَ اللَّفْظِ فِي تَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ فَيَسْتَوِي فِي الذَّبْحِ التَّكْبِيرَةُ الْعَرَبِيَّةُ وَالْعَجَمِيَّةُ مِنْ طَرِيقِ الْأَوْلَى فَأَمَّا عَلَى أَصْلِهِمَا فَهُمَا يَحْتَاجَانِ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَالتَّسْمِيَةِ حَيْثُ قَالَا فِي التَّسْمِيَةِ: إنَّهَا جَائِزَةٌ بِالْعَجَمِيَّةِ سَوَاءٌ كَانَ يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ أَوْ لَا يُحْسِنُ.
وَفِي التَّكْبِيرِ لَا يَجُوزُ بِالْعَجَمِيَّةِ إلَّا إذَا كَانَ لَا يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ؛ لِأَنَّ الْمَشْرُوطَ هَهُنَا ذِكْرُ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَنَّهُ يُوجَدُ بِكُلِّ لِسَانٍ وَالشَّرْطُ هُنَاكَ لَفْظَةُ التَّكْبِيرِ؛ لِقَوْلِهِ ﵊ «لَا تُقْبَلُ صَلَاةُ امْرِئٍ حَتَّى يَضَعَ الطَّهُورَ مَوَاضِعَهُ وَيَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ وَيَقُولَ اللَّهُ أَكْبَرُ» نَفَى ﵊ الْقَبُولَ بِدُونِ لَفْظِ التَّكْبِيرِ وَلَا يُوجَدُ ذَلِكَ بِغَيْرِ لَفْظِ الْعَرَبِيَّةِ.
وَأَمَّا شَرَائِطُ الرُّكْنِ فَمِنْهَا أَنْ تَكُونَ التَّسْمِيَةُ مِنْ الذَّابِحِ حَتَّى لَوْ سَمَّى غَيْرُهُ وَالذَّابِحُ سَاكِتٌ وَهُوَ ذَاكِرٌ غَيْرُ نَاسٍ لَا يَحِلُّ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ ﵎ ﴿وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ﴾ [الأنعام: ١٢١] أَيْ: لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ مِنْ الذَّابِحِ فَكَانَتْ مَشْرُوطَةً فِيهِ.
(وَمِنْهَا) أَنْ يُرِيدَ بِهَا التَّسْمِيَةَ عَلَى الذَّبِيحَةِ فَإِنَّ مَنْ أَرَادَ بِهَا التَّسْمِيَةَ لِافْتِتَاحِ الْعَمَلِ لَا يَحِلُّ؛ لِأَنَّ اللَّهَ ﷾ أَمَرَ بِذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ فِي الْآيَاتِ الْكَرِيمَةِ وَلَا يَكُونُ ذِكْرُ اسْمِ اللَّهِ عَلَيْهِ إلَّا وَأَنْ يُرَادَ بِهَا التَّسْمِيَةُ عَلَى الذَّبِيحَةِ، وَعَلَى هَذَا إذَا قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَمْ يُرِدْ بِهِ الْحَمْدَ عَلَى سَبِيلِ الشُّكْرِ لَا يَحِلُّ، وَكَذَا لَوْ سَبَّحَ أَوْ هَلَّلَ أَوْ كَبَّرَ وَلَمْ يُرِدْ بِهِ التَّسْمِيَةَ عَلَى الذَّبِيحَةِ وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ وَصْفَهُ بِالْوَحْدَانِيَّةِ وَالتَّنَزُّهِ عَنْ صِفَاتِ الْحُدُوثِ لَا غَيْرُ لَا يَحِلُّ لِمَا قُلْنَا.
(وَمِنْهَا) تَجْرِيدُ اسْمِ اللَّهِ ﷾ عَنْ اسْمِ غَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ اسْمَ النَّبِيِّ ﵊ حَتَّى لَوْ قَالَ بِسْمِ اللَّهِ وَاسْمِ الرَّسُولِ لَا يَحِلُّ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ﴾ [المائدة: ٣] وَقَوْلِ النَّبِيِّ ﵊ «مَوْطِنَانِ لَا أُذْكَرُ فِيهِمَا: عِنْدَ الْعُطَاسِ، وَعِنْدَ الذَّبْحِ» ، وَقَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ ﵄ جَرِّدُوا التَّسْمِيَةَ عِنْدَ الذَّبْحِ؛ وَلِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ يَذْكُرُونَ مَعَ اللَّهِ ﷾ غَيْرَهُ فَتَجِبُ مُخَالَفَتُهُمْ بِالتَّجْرِيدِ، وَلَوْ قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ وَمُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ فَإِنْ قَالَ: وَمُحَمَّدٍ بِالْجَرِّ لَا يَحِلُّ؛ لِأَنَّهُ أَشْرَكَ فِي اسْمِ اللَّهِ عَزَّ شَأْنُهُ اسْمَ غَيْرِهِ، وَإِنْ قَالَ: مُحَمَّدٌ بِالرَّفْعِ يَحِلُّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْطِفْهُ بَلْ اسْتَأْنَفَ فَلَمْ يُوجَدْ الْإِشْرَاكُ إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ لِوُجُودِ الْوَصْلِ مِنْ حَيْثُ الصُّورَةُ فَيُتَصَوَّرُ بِصُورَةِ الْحَرَامِ فَيُكْرَهُ، وَإِنْ قَالَ: وَمُحَمَّدًا بِالنَّصْبِ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ: يَحِلُّ؛ لِأَنَّهُ مَا عَطَفَ بَلْ اسْتَأْنَفَ إلَّا أَنَّهُ أَخْطَأَ فِي الْإِعْرَابِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَحِلُّ؛ لِأَنَّ انْتِصَابَهُ بِنَزْعِ الْحَرْفِ الْخَافِضِ كَأَنَّهُ قَالَ: وَمُحَمَّدٍ فَيَتَحَقَّقُ الْإِشْرَاكِ فَلَا يَحِلُّ.
هَذَا إذَا ذَكَرَ الْوَاوَ فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ بِأَنْ قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ فَإِنَّهُ يَحِلُّ كَيْفَمَا كَانَ لِعَدَمِ شِرْكِهِ.
(وَمِنْهَا) أَنْ يَقْصِدَ بِذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى تَعْظِيمَهُ عَلَى الْخُلُوصِ وَلَا يَشُوبُهُ مَعْنَى الدُّعَاءِ حَتَّى لَوْ قَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ تَسْمِيَةً؛ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ وَالدُّعَاءُ لَا يُقْصَدُ بِهِ التَّعْظِيمُ الْمَحْضُ فَلَا يَكُونُ تَسْمِيَةً كَمَا لَا يَكُونُ تَكْبِيرًا، وَفِي قَوْلِهِ اللَّهُمَّ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ كَمَا فِي التَّكْبِيرِ.
(أَمَّا) وَقْتُ التَّسْمِيَةِ فَوَقْتُهَا فِي الذَّكَاةِ الِاخْتِيَارِيَّةِ وَقْتُ الذَّبْحِ لَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا عَلَيْهِ إلَّا بِزَمَانٍ قَلِيلٍ لَا يُمْكِنُ