الْعِتْقِ إكْرَاهًا عَلَيْهِ فَلَا يَكُونُ تَلَفُ الْمَالِ مُضَافًا إلَى الْمُكْرِهِ فَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالضَّمَانِ.
وَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى أَنْ يَقُولَ: كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ فِيمَا أَسْتَقْبِلُهُ فَهُوَ حُرٌّ فَقَالَ ذَلِكَ، ثُمَّ مَلَكَ مَمْلُوكًا حَتَّى عَتَقَ عَلَيْهِ، فَإِنْ مَلَكَ بِشِرَاءٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ لَا ضَمَانَ عَلَى الْمُكْرِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا مَلَكَهُ بِاخْتِيَارِهِ فَيَقْطَعُ إضَافَةَ إكْرَاهِ الْإِتْلَافِ إلَى الْمُكْرِهِ، وَإِنْ مَلَكَ بِإِرْثٍ فَكَذَلِكَ فِي الْقِيَاسِ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ لَا صُنْعَ لِلْمُكْرَهِ فِي الْإِرْثِ فَبَقِيَ الْإِتْلَافُ مُضَافًا إلَى الْمُكْرِهِ، وَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى أَنْ يَقُولَ لِعَبْدِهِ: إنْ شِئْت فَأَنْتَ حُرٌّ فَقَالَ: شِئْت حَتَّى عَتَقَ ضَمِنَ الْمُكْرِهُ؛ لِأَنَّ مَشِيئَةَ الْعَبْدِ الْعِتْقَ تُوجَدُ غَالِبًا فَأَشْبَهَ التَّعْلِيقُ بِفِعْلٍ لَا بُدَّ مِنْهُ فَكَانَ الْإِكْرَاهُ عَلَى الْإِعْتَاقِ إكْرَاهًا عَلَيْهِ هَذَا إذَا أُكْرِهَ عَلَى تَعْلِيقِ الْعِتْقِ بِالشَّرْطِ.
، فَأَمَّا إذَا أُكْرِهَ عَلَى تَحْصِيلِ الشَّرْطِ الَّذِي عُلِّقَ بِهِ الْعِتْقُ عَنْ طَوْعٍ بِأَنْ قَالَ رَجُلٌ لِعَبْدٍ: إنْ مَلَكْتُك فَأَنْتَ حُرٌّ فَأُكْرِهَ عَلَى الشِّرَاءِ فَاشْتَرَاهُ حَتَّى عَتَقَ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُكْرِهِ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَمْ يَثْبُتْ بِالشَّرْطِ وَهُوَ الشِّرَاءُ، وَإِنَّمَا ثَبَتَ بِالْكَلَامِ السَّابِقِ وَهُوَ طَائِعٌ فِيهِ، وَكَذَا إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ إنْ دَخَلْتَ الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ فَأُكْرِهَ عَلَى الدُّخُولِ حَتَّى عَتَقَ لَا ضَمَانَ عَلَى الْمُكْرِهِ لِمَا ذَكَرْنَا ثُمَّ إنَّمَا يَضْمَنُ الْمُكْرَهُ فِي جَمِيعِ مَا وَصَفْنَا إذَا كَانَ الْإِكْرَاهُ تَامًّا، فَأَمَّا إذَا كَانَ نَاقِصًا فَلَا ضَمَانَ لِمَا مَرَّ أَنَّ الْإِكْرَاهَ النَّاقِصَ لَا يَقْطَعُ الْإِضَافَةَ عَنْ الْمُكْرَهِ بِوَجْهٍ فَلَا يُوجِبُ الضَّمَانَ عَلَى الْمُكْرِهِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا إذَا أُكْرِهَ عَلَى الْإِعْتَاقِ الْمُطْلَقِ عَيْنًا.
، فَأَمَّا إذَا أُكْرِهَ عَلَى أَحَدِهِمَا غَيْرِ عَيْنٍ بِأَنْ أُكْرِهَ عَلَى أَنْ يُعْتِقَ عَبْدَهُ أَوْ يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ الْمَرْأَةُ مَدْخُولًا بِهَا فَفَعَلَ الْمُكْرَهُ أَحَدَهُمَا غَرِمَ الْمُكْرِهُ الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ وَمِنْ نِصْفِ مَهْرِ الْمَرْأَةِ، أَمَّا إذَا فَعَلَ أَقَلَّهُمَا ضَمَانًا فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ مَا أَتْلَفَ عَلَيْهِ إلَّا هَذَا الْقَدْرَ، وَكَذَلِكَ إذَا فَعَلَ أَكْثَرَهُمَا ضَمَانًا؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَهُ دَفْعَ الضَّرُورَةِ بِأَقَلِّ الْفِعْلَيْنِ ضَمَانًا فَإِذَا فَعَلَ أَكْثَرَهُمَا ضَمَانًا كَانَ مُخْتَارًا فِي الزِّيَادَةِ؛ لِانْعِدَامِ الِاضْطِرَارِ فِي هَذَا الْقَدْرِ فَلَا يَكُونُ تَلَفُ هَذَا الْقَدْرِ مُضَافًا إلَى الْمُكْرِهِ، وَإِنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ مَدْخُولًا بِهَا فَفَعَلَ الْمُكْرَهُ أَحَدَهُمَا لَا شَيْءَ عَلَى الْمُكْرِهِ أَمَّا إذَا طَلَّقَ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ بَعْدَ الدُّخُولِ لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ عَلَى الْمُكْرِهِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ قَبْلُ، وَكَذَلِكَ إذَا أَعْتَقَ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَهُ دَفْعُ الضَّرُورَةِ بِمَا لَا يَتَعَلَّقُ فِيهِ ضَمَانٌ أَصْلًا وَهُوَ الطَّلَاقُ فَكَانَ مُخْتَارًا فِي الْإِعْتَاقِ فَلَا يَكُونُ الْإِتْلَافُ مُضَافًا إلَى الْمُكْرِهِ فَلَا يَضْمَنُ، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا.
وَلَكِنَّ الْإِكْرَاهَ نَاقِصٌ فَفَعَلَ الْمُكْرَهُ أَحَدَهُمَا لَا ضَمَانَ عَلَى الْمُكْرِهِ لِمَا مَرَّ أَنَّ الْإِكْرَاهَ النَّاقِصَ لَا يَقْطَعُ إضَافَةَ الْفِعْلِ إلَى الْمُكْرِهِ؛ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ لَا تَتَحَقَّقُ بِهِ فَكَانَ مُخْتَارًا مُطْلَقًا فِيهِ فَلَا يُؤَاخَذُ بِهِ الْمُكْرِهُ هَذَا إذَا أُكْرِهَ عَلَى الْإِعْتَاقِ، فَأَمَّا إذَا أُكْرِهَ عَلَى التَّوْكِيلِ بِالْإِعْتَاقِ فَوَكَّلَ غَيْرَهُ بِهِ فَفَعَلَ الْوَكِيلُ، فَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَصِحَّ التَّوْكِيلُ وَلَا يَجُوزُ إعْتَاقُ الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ تَصَرُّفٌ يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ فَأَشْبَهَ الْبَيْعَ؛ وَلِهَذَا يُبْطِلُهُ الْهَزْلُ كَالْبَيْعِ فَلَا يَصِحُّ مَعَ الْإِكْرَاهِ كَمَا لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِعْتَاقِ فَلَا يَمْنَعُ صِحَّةَ التَّوْكِيلِ بِالْإِعْتَاقِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّ الْإِكْرَاهَ يَمْنَعُ صِحَّةَ الْبَيْعِ فَيَمْنَعُ صِحَّةَ التَّوْكِيلِ بِهِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ إنَّهُ يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ وَالْهَزْلَ فَنَعَمْ لَكِنَّهُ تَصَرُّفٌ قَوْلِيٌّ فَلَا يَعْمَلُ عَلَيْهِ الْإِكْرَاهُ كَمَا لَا يَعْمَلُ عَلَى الْإِعْتَاقِ وَالطَّلَاقِ وَالنِّكَاحِ وَغَيْرِهِمَا بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ اسْمٌ لِلْمُبَادَلَةِ حَقِيقَةً، وَحَقِيقَةُ الْمُبَادَلَةِ بِالتَّعَاطِي، وَإِنَّمَا الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ دَلِيلٌ عَلَيْهِ حَالَةَ الطَّوْعِ فَيَعْمَلُ عَلَيْهِ الْإِكْرَاهُ، عَلَى مَا نَذْكُرُهُ فِي مَوْضِعِهِ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - وَإِذَا نَفَذَ إعْتَاقُ الْوَكِيلِ يَرْجِعُ الْمُكْرَهُ عَلَى الْمُكْرِهِ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ اسْتِحْسَانًا.
وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَرْجِعَ؛ لِأَنَّ الْمَوْجُودَ مِنْ الْمُكْرِهِ الْإِكْرَاهُ عَلَى التَّوْكِيلِ بِالْإِعْتَاقِ لَا عَلَى الْإِعْتَاقِ، وَإِنَّمَا الْإِعْتَاقُ حَصَلَ بِاخْتِيَارِ الْوَكِيلِ وَرِضَاهُ فَلَا يَكُونُ مُضَافًا إلَى الْمُكْرِهِ كَشُهُودِ التَّوْكِيلِ بِالْإِعْتَاقِ إذَا رَجَعُوا لَا يَضْمَنُونَ؛ لِأَنَّهُمْ شَهِدُوا بِالْوَكَالَةِ بِالْإِعْتَاقِ كَذَا هَهُنَا وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْإِكْرَاهَ عَلَى التَّوْكِيلِ بِالْإِعْتَاقِ إكْرَاهٌ عَلَى الْإِعْتَاقِ؛ لِأَنَّهُ إذَا وَكَّلَ بِالْإِعْتَاقِ مَلَكَ الْوَكِيلُ إعْتَاقَهُ عَقِيبَ التَّوْكِيلِ بِلَا فَصْلٍ فَيَعْتِقُهُ فَيَتْلَفُ مَالُهُ، فَكَانَ الْإِتْلَافُ مُضَافًا إلَى الْمُكْرِهِ فَيُؤَاخَذُ بِضَمَانِهِ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ بِأَمْرِهِ أَمْرًا صَحِيحًا، وَإِنْ كَانَ الْإِكْرَاهُ نَاقِصًا فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُكْرِهِ لِمَا مَرَّ غَيْرَ مَرَّةٍ.
وَأَمَّا النِّكَاحُ فَلِعُمُومِ قَوْلِهِ ﵎ ﴿وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ﴾ [النور: ٣٢] وَغَيْرِهِ مِنْ عُمُومَاتِ النِّكَاحِ مِنْ غَيْرِ تَخْصِيصٍ، وَلِأَنَّ النِّكَاحَ تَصَرُّفٌ قَوْلِيٌّ فَلَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الْإِكْرَاهُ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ ثُمَّ إذَا جَازَ النِّكَاحُ مَعَ الْإِكْرَاهِ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ أُكْرِهَ الزَّوْجُ أَوْ الْمَرْأَةُ، فَإِنْ أُكْرِهَ الزَّوْجُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute