وكان الشيخ رحمه الله زمن دراسته بـ "ديوبند"، يتمرّن على الوعظ والخطابة، ويعقد كلّ ليلة الجمعة حفلة يجتمع فيها الطلّاب، ويلقون كلماتهم مرّة بعد أخرى، وكان الشيخ رحمه الله من سبّاق هذه الحلبة ومبرّزي هذا الميدان، حتى أصبح بعد فراغه من الدراسة من أشهر الخطباء والوعّاظ في عصره، وجعل أثناء إقامته بـ "كانبور" يعظ الناس، ويدعوهم إلى الخير، تعقد له الحفلات في كلّ ناحية من نواحي البلد، ثم في كلّ بلدة من بلاد "الهند"، واشتهرتْ مواعظه في جميع أنحاء البلاد، تشدّ لأجلها الرحال، وتتحمّل لاستماعها المشاقّ، وتنتهز لذلك الفرص، وحقا! كانت مواعظه كالبحر، لا يرى له ساحل، فيها من العلم والحكمة والأمثال والنوادر واللطائف والغرائب ما لا تحمله الأسفار، وفيها من بدائع التفسير والحديث والفقه والتصوّف ما لا يوجد في الكتب المتداولة، ينثر فيها الشيخ من لآلي عرفانه ما يجلو القلوب، وينوّر الأذهان.
وكان لمواعظه من التأثير في إصلاح النفوس وتقويم الأفكار ما لا يوجد له نظير في هذا العصر، فكم من رجل كفّ بعد سماعها عما اعتاد من المعاصي، وكم من ضالّ قد تاب بها عن البدع والأهواء، كم من متخبّط في الشكوك قد اهتدى بها إلى الإيمان واليقين، والذين قد أحدثت هذه المواعظ انقلابا في حياتهم قد يجاوز عددهم الآلاف من الرجال والنساء، ونحمد الله تعالى أن العدد الكبير من هذه المواعظ قد دوّنها تلامذته ومسترشدوه أثناء الوعظ، وطبع منها ما يبلغ نحو عشرين مجلّدا، كلّ مجلّد منه يحتوي على ستمائة صفحة على الأقلّ.