للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فهذه المواعظ المطبوعة عين جارية مستمرّة حتى اليوم، لا تكدى ولا تنقطع، ولا تنفد ولا تغور، وهناك رجال لا يحصون لم يصحبوا الشيخ التهانوي ولا رأوه، ولكنّهم نالوا فوائد صحبته بمواعظه المطبوعة، وحدث في حياتهم انقلاب ديني عظيم.

وكان من عاداته في الوعظ: أنه لم يكن يقبل عليه من عوض، حتى لو أهدى إليه رجل بعد الوعظ شيئًا بما يجعله كالعوض صورة لم يقبله أبدًا، وكان يرجّح في مواعظه جانب الترغيب على الترهيب، ويقول: قد جرّبت طباع الناس في هذا العصر، فوجدتهم ينتفعون بما يشوقهم أكثر من انتفاعهم بما يخوفهم، ولذلك أكثر في مواعظه من الترغيب، وأقلّ من الترهيب (١).

وكان يدعو الله سبحانه قبل الشروع في الوعظ قائلا: اللّهم وفّقني لبيان ما يحتاج الحاضرون إليه، وما يصلح أحوالهم (٢).

وكان لا يتعرّض في مواعظه للمسائل الخلافية فيما بين المسلمين، إلا إذا جاءت مسئلة خلافية أثناء كلامه، فيشرّحها شرحا وافيا برفق ولطف، وحكمة ونصيحة، لا يغلظ فيه الكلام على مخالفيه، ولا يبالغ في التشنيع عليهم، كما هو عادة الوعّاظ في عصرنا، وإنما يتبع أسوة الأنبياء في قول ليّن، وموعظة حسنة.

ملفوظاته القيمة.

كان رحمه الله يعقد كلّ يوم بعد الظهر مجلسا عاما في "الخانقاه الإمدادي"، يجتمع فيه تلاميذه ومسترشدوه وعامة الناس، فكان يعظهم، ويجيب عن أسئلتهم المتفرّقة، ويحدّثهم بما بدا له من غير اقتصار على موضوع


(١) راجع: سيرة أشرف ص: ١٣٧ عن وعظ الباطن ص: ١٣٧.
(٢) أيضًا عن ذم النسيان: ص ١٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>