للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فكان الشيخ التهانوي رحمه الله تعالى ولوعا بملازمة شيوخه، حريصا على خدمتهم، وبعد الفراغ من دراسته بايع العارف المبتصر الحاج إمداد الله المهاجر المكّي بيعة السلوك، ولازمه مدّة، واستفاد من صحبته، وذلك عند ما ذهب به والده إلى "الحجاز" للحجّ والزيارة سنة ١٣٠٠ هـ، فارتحل في شوّال وحجّ بيت الله، وزار روضة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، ومكث عند شيخه مدّة، ثم حجّ مرّة ثانية في سنة ١٣١٠ هـ، وبقي عند شيخه مدّة ستة أشهر، ولازمه ملازمة لا تفتر ولا تنقطع، وبقوّة استعداده وكمال عناية الشيخ أصبح في هذه المدّة اليسيرة كالمرآة تتجلى فيها سيرة شيخه، وتترقرق فيها أخلاقه ومذاقه، حتى أصبح معروفا في دياره بعبادته وزهده وورعه، وبحسن تعليمه وتربيته، ونظف طريق التصوّف عن الخرافات المحدثة والبدع الشنيعة، وجدّده تجديدا، ولنشرح عمله هذا بشيء من البسط.

تجديده في التصوف والسلوك

كان الناس في أمر التصوّف والسلوك ما بين إفراط وتفريط، فطائفة تزعم أن التصوّف والسلوك من البدعات المحدثة، ليس له أصل في الكتاب والسنّة، وأخرى تعتقد أن التصوّف والسلوك اسم لبعض الكشوف والمواجيد والإشراقات التي تعترض لسالك هذا الطريق، وأن هذه الأحوال والتجارب النفسية هي المقصودة بالدين، ومن فاز بها تخلّص عن ربقة الأحكام الشرعية الظاهرة، والذي صدرت منه بعض الشعوذة والتصرّفات، أو ظهرت له بعض الكشوف والمواجيد في اليقظة أو المنام اتخذه الناس قدوة وإماما، مهما زاغتْ عقيدته أو فسدتْ أعماله وأخلاقه.

<<  <  ج: ص:  >  >>