وجملة القول: إن المولى على القاري أتى فيه ببيان شاف في مسائل الخلاف، وأنصف غاية الإنصاف، ليسهل معه فهم معاني الحديث بقدر الإمكان، وأجاد فيه كلّ الإجادة، وبلغ غاية في الإحسان والإفادة، ونهاية في التحقّيق والاستدلال بحثا ونقدا، وقد وصفه العلامة المحقّق المحدّث البارع الشيخ محمد إدريس الكاندهلوي في مقدمة كتابه "التعليق الصبيح على مشكاة المصابيح" ما نصّه: أنه شرح لطيف على منهج شريف، كافل لضبط الألفاط، مع المباني والبحث عن الروايات، مع المعاني، جمع فيه جميع الشروح والحواشي، واستقصاها، فلم يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، وها أنا معترف بأني اغترفت في هذ التعليق، وعندى هو أنفع وأمتع كتاب في شرح الحديث، وكتاب ضخم، ليس في كتب الشروح لـ "مشكاة المصابيح" المطبوعة ما يساويه بحثا واستدلالا، وتحقيقا وتنقيحا، جمع فيه، وأوعي، وأتى بالمقاصد، ووفي، وهذا الكتاب وحده يكفل لك ملكة حسنة في فهم الحديث، إن كنت شديد الإلمام به، فلا غنى للمحدّث والفقيه عنه، ولذلك شاع الانتفاع به في العالم الإسلامي، كان رحمه الله محظوظا من العلم، مرزوقا من التصنيف، وحسن التأليف، وقد اشتهرت مؤلّفاته شرقا وغربا، ولا تكاد تجد خزانة في الدنيا عربية كانت أم عجمية تخلو عن عدد منها، بخلاف مؤلّفات أقرانه، فإنها أعزّ عن بيض الأونق، قال المحبي: واشتهر ذكره، وطار صيتُه، وألّف التآليف الكثيرة اللطيفة التأدية، المحتوية على الفوائد الجليلة، وقد شاعت عند المتأخِّرين رواية تصانيف علي القاري، حيث استجاز عنه المحدِّثون تأليفاته، والذين أجازهم بروايتها عنه كثيرون، فذكروا سلسلة روايتهم عنه في أثباتهم ومعاجمهم، فقال حكيم الأمة ومحدّث الهند العلامة الشيخ قطب الدين أحمد ولي الله بن عبد الرحيم العمري الدهلوي، المتوفى سنة ١١٧٦ هـ في كتابه "الانتباه في سلاسل أولياء الله وأسانيد وارثي رسول الله" ما نصّه: