للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أبي حنيفة رحمه الله، واختلاف الأئمة عندهما، بل قال الغزالي: إنهما خالفا أبا حنيفة في ثلثي مذهبه، ونقل النووي في كتابه "تهذيب الأسماء واللغات" عن أبي المعالي الجويني أن كلّ ما اختاره المزني أرى أنه تخريج ملتحق بالمذهب، فإنه لا يخالف أقوال الشافعي، لا كأبي يوسف ومحمد، فإنهما يخالفان أصول صاحبهما، وأحمد بن حنبل لم يذكره الإمام أبو جعفر الطبري في عداد الفقهاء، وقال: إنما هو من حفّاظ الحديث، وذلك مشهور. وقال ابن خلدون: وأما أحمد بن حنبل فمقلّده قليل بعد مذهبه عن الاجتهاد، وقال: إن الحنيفية أهل البحث والنظر، وأما المالكية فليسو بأهل نظر. انتهى.

فكيف يكون هو من المجتهدين في الشرع، بدون أبي يوسف ومحمد وزفر، رحمهم الله ضراغم غابات الفقه، وليوث غياض النظر، غير أنهم لحسن تعظيمهم للأستاذ، وفرط إجلالهم لمحلّه ورعايتهم لحقه تشمّروا على تنويه شأنه، وتوغّلوا في انتصاره والاحتجاج لأقواله وروايتها للناس ونقلها لهم وردّهم إليها والإفتاء عند وقوع الحوادث بها، وتجرّدوا لتحقيق فروعها وأصولها، وتعيين أبوابها وفصولها، وتمهيد قواعد محكمة ومقاييس متقنة، يستفاد بها الأحكام، واستنباط قوانين صحيحة، وطرائق قويمة، يتعرّف بها المعاني في تضاعيف الكلام، وأرجو ذلك في تصحيح مذهبه وبيانه لمن يتمسّك به الاعتقاد من أنه أعلم وأروع وأحقّ للاقتداء به والأخذ بقوله وأوثق للمفتي وأرفق للمستفتي (١) على ما قال مسعر بن كدام: مَنْ جعل أبا حنيفة بينه وبين الله تعالى رجوت أن لا يخاف عليه، ولم يكن فرط على نفسه في الاحتياط. انتهى.


(١) كل ذلك بأدلة نيرة، أقاموها لا تقليدا له (ز).

<<  <  ج: ص:  >  >>