كان القاضي أحمد بن أبي دُواد ممن نشأ في العلم، وتضلّع بعلم الكلام، وصحب فيه صباح بن العلاء السلمي، صاحب واصل بن عطاء، أحد رءوس المعتزلة، وكان ابن أبي دُواد رجلًا فصيحًا، قال أبو العيناء: ما رأيت رئيسا قطّ أفصح ولا أنطق منه، وكان كريمًا ممدَّحًا، وفيه يقول بعضهم:
لقد أنْسَتْ مَسَاويَ كُلِّ دَهْرٍ … مَحَاسِنُ أحمدَ بن أبي دُوَادِ
ومَا طَوَّفْتُ في الآفَاقِ إلَّا … ومِن جَدْوَاك رَاحِلَتي وزَادِي
مُقِيمُ الظَّنِّ عندك والأمَانِي … وإن قلقتْ رِكابِي في البلادِ
وكان معظمًا عند المأمون أمير المؤمنين، يقبل شفاعته، ويُصغي إلى كلامه، وأخباره في هذا كثير، فدسّ ابن دُواد له القول بخلق القرآن، وحسّنه عنده، وصيّره يعتقده حقًا مُبينًا، إلى أن أجمع رأيه في سنة ثمان عشرة ومائتين، على الدعاء إليه، فكتب إلى نائبه على "بغداد"، إسحاق بن إبراهيم الخزاعي، عمّ طاهر بن الحسين، في امتحان العلماء كتابًا، يقول فيه: كذا وكذا.
ثم ساق الكتاب، وجوابه، وأخبارًا أخر تتعلّق بالإمام أحمد وغيره، أضربنا عنها خوف الإطالة، إذ المراد بيان أن السبب في هذه المحنة العظمى هو ابن دُواد، وذكر يسير من أخباره المتعلّقة بها، وأما حصرها فلا سبيل إليه.
فعن أحمد بن المعدل، أن ابن أبي دُواد كتب إلى رجل من أهل "المدينة": إن تابعت أمير المؤمنين في مقالته استوجبت المكافأة الحسنة.
فكتب إليه: عصمنا الله وإياك من الفتنة، والكلام في القرآن بدعةٌ، يشترك فيه السائل والمجيب؛ لتعاطي السائل ما ليس له، وتكلّف المجيب ما