أما قولُ البخاري:"سكتوا عنه"، فظاهِرُها أنهم ما تعرَّضوا له بجَرْحٍ ولا تعديلٍ. وعَلِمْنا مقصدَه بها بالاستقراء، أنها بمعنى:"تركوه". وكذا عادَتُه إذا قال:"فيه نظر"، بمعنى أنه:"مُتَّهَم"، أو:"ليس بثقة". فهو عنده أسْوَأُ حالاً من:"الضعيف". وبالاستقراء، إذا قال أبو حاتم:"ليس بالقويّ"، يُريد بها: أنَّ هذا الشيخ لم يَبلُغ درَجَة القويِّ الثَّبْت. والبخاريُّ قد يُطلقُ عَلَى الشيخ:"ليس بالقوي"، ويريد أنه:"ضعيف".
ومِن ثَمَّ، قيل تجبُ (١) حكاية الجرح والتعديل: "فَمِنهم مَن نَفَسُهُ حادٌّ في الجَرْح، ومِنهم مَن هو معتدل، ومِنهم مَن هو متساهل". فالحادُّ فيهم: يحيى بن سعيد، وابن معين، وأبو حاتم، وابن خِراش، وغيرُهم. والمعتدلُ فيهم: أحمد بن حنبل، والبخاريّ، وأبو زُرْعَة. والمتساهلُ كـ: الترمذيّ، والحاكم، والدارقطنيّ في بعض الأوقات.
(١) - في (ظ) : "في". والمحقِّقُ لم يستسغها، فاستعاض عنها في المتن بـ "تجبُ"! وليس لها معنى! ومَن يتأمَّل كلام الذهبي، يجده يحكي أقوالَ أهلِ هذا الفنّ. فالصواب إثبات "في" كما وردت.